فلا نعارضها بحديث الظعينة؛ لأنه ما جاء للتشريع وإنما جاء كخبر من أخبار الغيب.
على ذلك فالاستدلال بحديث الظعينة على قول مالك وغيره من الأئمة أنه يجوز للنساء الموثوق بأخلاقهن ودينهن أن يسافرن بغير محرم لا يصح الاستدلال بحديث الظعينة للسببين الذين ذكرناهما.
خلاصة ذلك: أن حديث الظعينة يتحدث عن المرأة الواحدة، والدعوى أخص من الدليل كما يقول علماء الأصول، وثانيًا: لأن حديث الظعينة خبرًا غيبيًا لا يتضمن حكمًا شرعيًا فهو مخالف للأحاديث التي جاءت في التشريع مباشرة وهو نهي الرسول عليه السلام المرأة أن تسافر إلا مع محرم.
ثم إن هذا القول لا يمكن الاطمئنان إليه من حيث الواقع، ولعل بعضكم ابتلي مثلي بقراءة:«طوق الحمامة» لابن حزم فإنه سيجد هناك عبرة لمن يعتبر ببيان أن هذا القول نساء موثوقات يجوز لهن أن يسافرن، فمن يقرأ القصة التي ذكرها ابن حزم يطمئن تمامًا إلى أن هذا القول مع مخالفته لعموم قوله عليه السلام:«لا تسافر امرأة سفرًا إلا مع محرم» فتلك القصة تؤكد أن نسوة خرجن من المغرب حاجات وقضين الحج في سكينة، وهن راجعات وقعن في الفاحشة من إما قبطان سفينة أو أحد العاملين فيها، فما قيمة القيمة المرأة ثقة تسافر مع نساء ثقات، فالنساء ضعيفات، ولذلك جاء هذا الحكم الشرعي للمحافظة على أعراضهن.
ويجب أن نذكر بهذه المناسبة أن الله تبارك وتعالى العليم بطبائع البشر وبخاصة منهن النساء يضع الموانع والسدود بينهن وبين أن يقعن في الفاحشة ولو إلى الأمد البعيد، ولعلكم تذكرون أن المحرمات تنقسم إلى قسمين: بعضها محرم لذاته وبعضها محرم لغيره، فالمحرم لذاته يحرم البتة، أما المحرم لغيره فلأنه يوصل إلى المحرم لذاته، المحرم لغيره قد نتصوره يسد الطريق لكي لا يصل المسلم إلى المحرم [لذاته] ولو كان العقل يستبعد جدًا أن يقع في مثله لكنه يقع ولو مرة واحدة، نحن نعلم مثلًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في الأوقات المكروهة عند طلوع