للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإثم أيضا، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى على أولي النهى. الفائدة الرابعة: ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فليتم صلاته»، أي لأنه أدركها في وقتها، وصلاها صحيحة، وبذلك برئت ذمته. وأنه إذا لم يدرك الركعة فلا يتمها. لأنها ليست صحيحة، بسبب خروج وقتها، فليست مبرئة للذمة. ولا يخفى أن مثله وأولى منه من لم يدرك من صلاته شيئا قبل خروج الوقت، أنه لا صلاة له، ولا هي مبرئة لذمته. أي أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا يؤمر بإتمام الصلاة، فالذي لم يدركها إطلاقا أولى أن لا يؤمر بها، وليس ذلك إلا من باب الزجر والردع له عن إضاعة الصلاة، فلم يجعل الشارع الحكيم لمثله كفارة كي لا يعود إلى إضاعتها مرة أخرى، متعللا بأنه يمكنه أن يقضيها بعد وقتها، كلا، فلا قضاء للمتعمد كما أفاده هذا الحديث الشريف وحديث أنس السابق: «لا كفارة لها إلا ذلك».

ومن ذلك يتبين لكل من أوتي شيئا من العلم والفقه في الدين أن قول بعض المتأخرين «وإذا كان النائم والناسى للصلاة - وهما معذوران - يقضيانها بعد خروج وقتها، كان المتعمد لتركها أولى»، أنه قياس خاطئ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض، لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه، وهو فاسد بداهة، إذ كيف يصح قياس غير المعذور على المعذور والمتعمد على الساهي. ومن لم يجعل الله له كفارة، على من جعل الله له كفارة! ! وما سبب ذلك إلا من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف، وقد وفقنا الله تعالى لبيانه، والحمد لله تعالى على توفيقه. وللعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام مفصل في هذه المسألة، أظن أنه لم يسبق إلى مثله في الإفادة والتحقيق، وأرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه فصلين أحدهما في إبطال هذا القياس. والآخر في الرد على من استدل بهذا الحديث على نقيض ما بينا. قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر القول المتقدم: «فجوابه من وجوه: أحدها المعارضة بما هو أصح منه أو مثله، وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور - المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه - صحته وقبوله من متعد لحدود الله، مضيع لأمره، تارك لحقه عمدا وعدوانا. فقياس هذا على هذا في صحة العبادة، وقبولها منه، وبراءة الذمة بها من أفسد القياس». الوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>