الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم وهو ما روى عبد الرزاق في «المصنف» ١١/ ٧٠ / ١٩٩٣٥ وابن صاعد في «حديثه» ٣٥/ ١ - وهو بخط الحافظ ابن عساكر وابن حزم ١٠/ ٨٢ بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته:«لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب».
وروى ابن عساكر ١٩/ ١٢٤ / ٢ من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يعيرني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب! فقال:
قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب.
ورواه عبد الرزاق ١٩٩٣٨ نحوه وعلقه البغوي في شرح السنة ٣/ ٢١٠ / ٨٢ وحكى الخلاف في هذه المسألة فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال:«وكره ذلك قوم».
ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ص ٢٣٦ وتمامه في التعليق ٢٣٧.
وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء فهي الكراهة التحريمية لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة، كقوله تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}.
وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي:
«تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» ص ٤٨ - ٥٥ وذكرت هناك بعض الأمثلة فلتراجع.
وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال وهو ما تقدم في بحث خاتم الخطبة أن الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال فهذه الكراهة للتحريم أيضا لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا فمن أطلق كراهته عليهن فإنما يعني الكراهة الشرعية