يقابل هذا الترخيص، ترخيصًا أخر في الشيء الثاني المذكور تحريمه في هذا
الشطر الأول من الحديث، ألا وهو حديث عرفجة بن سعد رضي الله عنه، وكان قد أصيب أنفه، ذهبت أرنبة أنفه في وقعة في الجاهلية، تعرف بوقعة كُلاب، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان أتخذ أنفًا من ورِق أي من فضة، فأنتن عليه فشكا أمره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره بأن يتخذ أنفًا من ذهب، وكلنا يعلم أن كون الأنف مقطوع الأرنبة، ذلك لايضر في صحته ولا في كلامه، ولافي أي شيء ضرورات الحياة، كل مافي الأمر أنه قبيح المنظر، لأن الله عز وجل كما قال خلق الإنسان في أحسن تقويم، فاالله عز وجل الذي حرم الذهب على الرجال، على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك فقد رخص عليه الصلاة والسلام لسعد بن عرفجة هذا، أن يتخذ أنفًا من ذهب، وقد يتساءل البعض عن الفرق بين الأنف من ذهب والأصل فيه أنه حرام، وبين الأنف من فضة والأصل فيه مباح، فلماذا شكا أنفه من الفضة، ورخص له عليه السلام أن يتخذ أنفًا من ذهب؟ السر في ذلك، يعود إلى طبيعة هذين المعدنين، فمعدن الفضة، إذا لاقى السائل الذي يخرج من الأنف، وجِد بعد ذلك صدأ، كصدأ الحديد وكصدأ النحاس، فهذا الصدأ مع الزمن يُنتن، فيتضرر صاحب هذا الأنف من الورق أي من الفضة، بخلاف الذهب، فإن طبيعة الذهب، أنه لايصدأ، ولايُنتن، ولذلك تجدون اليوم أن الأطباء، أطباء الأسنان يهتمون دائما بتركيب السن الصناعي من الذهب، في أنه قابل للبقاء مع الزمن الطويل، دون أن يحصل منه أي نتن، أو صدأ يضر بواضع ذلك السن المستعار، فنجد أذن أن التحريم المذكور بالنسبة لرجال ليس على إطلاقه، وإنما له بعض القيود، فيجب أن نتمسك بالنص الأول المحرم، ثم بهذه القيود التي جاءت في بعض الأحاديث، يقابل هذا الشطر الثاني من الحديث وهو إباحته - صلى الله عليه وسلم - الحرير والذهب للنساء، فهل هناك مايقيد هذه الإباحة ولو في خصوص الذهب؟ نجد أول ما نجدُ أمرًا متفق عليه بين العلماء،
ومع ذلك فنجد كل من يبحث في هذا الموضوع ويحتج بالإطلاق المبيح لذهب للنساء، يغفل أو يتغافل، ما أدري عن هذا الذي اتفق عليه العلماء من تحريم نوع من الذهب على النساء، ألا وهو أواني الذهب، فقد جاء في الصحيح، في صحيح مسلم