للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبقى ذكراكم في] أذهانكم أبد الدهر فإذا [بقوا] مع جماهير الموتى لن تبقى ذكراهم في بالكم، ولذلك أوحى إليهم إبليس بأن يجعلوا قبورهم في أفنية دورهم، ثم تركهم جيلًا من الزمان ثم جاءهم فقال لهم: أنصحكم بأن تتخذوا لهؤلاء الصالحين الخمسة أصنامًا لتظل ذكراهم متركزة وثابتة في خواطركم؛ لأن هذه القبور قد تأتيها من السماء أمطار أو سيول فتذهب ثم لا يبقى لها أي أثر، فقبلوا أيضًا نصيحته، وما نصح الشيطان أبدًا، فصنعوا ونحتوا أصنامًا لهؤلاء الخمسة، وتركهم جيلًا آخر ثم جاءهم فقال لهم: يجب أن تتخذوا لهذه الأصنام مكانًا منزلًا يتناسب مع منزلتهم وثقتكم بهم، فاتخذوا بيتًا للأصنام ووضعوها في مكان رفيع.

ترك هؤلاء وانقضى ثم جاء إلى الجيل الجديد وأوحى إليهم أن هذه الأصنام التي وضعت في هذا المكان إنما وضعت؛ لأنها تستحق العظمة والعبادة فأخذوا يسجدون لها ويعبدونها من دون الله تبارك وتعالى فأرسل الله عز وجل نوحًا عليه السلام إلى هذا الجيل الذي وقع في الشرك وفي عبادة هؤلاء الخمسة، فماذا كان موقفهم؟ كما سمعتم في الآية السابقة: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا} [نوح: ٢٣] إلى آخره، إذًا: الأصنام والتماثيل كانت سببًا في عبادة الله غير الله، فلما حرم الرسول عليه السلام الصور والتماثيل لم تكن الحكمة فقط محصورة بأنها مضاهاة لخلق الله، بل ولأنها أيضًا كانت سببًا لعبادة غير الله والإشراك بالله تبارك وتعالى، ولذلك فلو سلمنا جدلًا بزعم هؤلاء أنه لا مضاهاة لخلق الله بالتصوير الشمسي تبقى العلة الثانية قائمة ومستمرة.

ثم بهذه المناسبة أيضًا يقول البعض: بأنه لم يبق الناس الآن تثقفوا وتيقظوا ولم يعودوا يقعون في شيء من هذا الشرك الذي وقع فيه الأقوام السابقون، وهذه مكابرة أخرى، فمن درس لا أقول: أحوال بعض المشركين في روسيا مثلًا، حيث كان إلى عهد القريب قبر لينين وقبر ستالين يطوف الروسيون حولهم كما يطوف المسلمون حول الكعبة المشرفة، وهل العبادة تكون أكثر من هذا، لكن أقول: لا نتحدث عن الكفار فليس بعد الكفر ذنب، لكن ما بالنا نكابر ونقول: لم يبق أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>