صحيح كما في تفسير الآلوسي ١١/ ٧٧، وكف الرعاع ص ١٠٩ - هامش الكبائر.
فقال ابن حزم عقب الحديث: فلو كان حراما ما أباحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر سماعه ولا أباح ابن عمر لنافع سماعه ولكنه عليه السلام كره كل شيء ليس من التقرب إلى الله كما كره الأكل متكئا و .. و ... فلو كان ذلك حراما لما اقتصر - عليه السلام - أن يسد أذنيه عنه دون أن يأمر بتركه وينهى عنه.
فأقول: عفا الله عن ابن حزم فقد خفيت عليه أمور ما يليق بعلمه أن تخفى عنه:
أولا: غاب عنه الفرق بين السماع والاستماع ففسر الأول بالثاني وهو خطأ ظاهر لغة وقرآنا وسنة ولذلك قال ابن تيمية عقب حديث عائشة المذكور آنفا:
وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فانه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا ما يحصل منها بغير الاختيار وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس إنما يتعلق الأمر والنهى في ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي.
وهذا مما وجه به حديث ابن عمر ... فذكره فإن من الناس من يقول - بتقدير صحة الحديث (١) - لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه فيجاب بأن ابن عمر لم يكن يستمع وإنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه وإنما النبي عدل طلبا للأكمل والأفضل كمن اجتاز بطريقه فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا أحسن ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد.
ثانيا: أن ابن حزم كأنه يتصور أن الراعي الزامر كان بين يديه - صلى الله عليه وسلم - ليأمره وينهاه وليس في الحديث شيء من ذلك بل لعل فيه ما قد يشعر بخلافه وهو أنه كان بعيدا