للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يرى شخصه وإنما يسمع صوته ولذلك قال العلامة ابن عبد الهادي بعد أن ذكر نحو كلام ابن تيمية وخلاصته:

وتقرير الراعي لا يدل على إباحته لأنها قضية عين فلعله سمعه بلا رؤية أو بعيدا منه على رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه أو لعل الراعي لم يكن مكلفا فلم يتعين الإنكار عليه (١).

ثالثا: إن تحريم الغناء وآلات الطرب ليس بأشد تحريما من الخمر وهو يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش ما شاء بين ظهراني أصحابه وهم يعاقرونها قبل التحريم فهل يصح أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - أقرهم ولم ينههم؟ كذلك نحن نقول - على افتراض دلالة الحديث على الإباحة -: إنه يحتمل أنه كان قبل التحريم ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.

رابعا وأخيرا: وعلى الافتراض المذكور فهي إباحة خاصة بمزمار الراعي وهو آلة بدائية ساذجة سخيفة من حيث إثارتها للنفوس وتحريك الطباع وإخراجها عن حد الاعتدال فأين هي من الآلات الأخرى كالعود والقانون وغيرهما من الآلات التي تنوعت مع مرور الزمن وبخاصة في العصر الحاضر وابتلي بعض المغنين باستعمالها والجمهور بالاستماع إليها والالتهاء بها؟ .

إن مما لا شك فيه أن الدليل في هذا الحديث - وعلى الافتراض المذكور - أخص من الدعوى كما يقول الفقهاء وإلا فالحقيقة أن لا دليل فيه البتة بل أن فيه دليلا على كراهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لصوت مزمار الراعي وهي بلا ريب كراهة شرعية بدخل في عموم قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ولذلك اتبعه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فوضع إصبعيه في أذنيه مع عدم وجود القصد كما شرحنا فهو مع وجود القصد أشد كراهة كما لا يخفى ولهذا قال ابن الجوزي رحمه الله ص ٢٤٧:


(١) نقلته من عون المعبود ٤٣٥/ ٤، وهو عن مرقاة الصعود للسيوطي. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>