للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها لأن فيها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وهذه صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف إذا اتخذ سبيل الله تعالى هزوا.

فأقول مجيبا عليه: أما عن الأول: فهو كلمة حق أريد بها باطل لأنه يوهم أن الآثار مخالفة لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الآية ولا شي من ذلك البتة وإنما هي مخالفة لتفسيره الجامد هو وحده ويكفي القارئ اللبيب برهانا على خطئه أن يتصور هذه الحقيقة: الآثار السلفية في جانب وابن حزم في جانب!

وأما عن الثاني: فجعجعة لا طحن فيها إذ لا مخالف لهم ولو كان شيء من ذلك لبادر إلى ذكره كما هي عادته عند العارفين بأسلوبه في رده على مخالفيه.

وأما عن الثالث: فتقدم في كلام ابن القيم الأخير وكأنه - رحمه الله - كان يعني به الرد على قول ابن حزم هذا وهو قوي وواضح جدا ألا ترى أن بعض المسلمين اليوم يلتهون في مجالسهم ومحافلهم بالكلام الدنيوي

وبشرب الدخان واللعب بالطاولة النرد بل وبالقمار في المقاهي وغيرها وهم يسمعون من الراديو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سمعون هذا وأمثاله من آيات الله تتلى وهم في حديثهم ولهوهم سادرون كأن في آذانهم وقرا أفكفار هؤلاء يا ابن حزم؟ بل إن موقف هؤلاء ولهوهم ليذكرني بقول ابن عباس وغيره من السلف: كفر دون كفر (١) فليس كل كفر يخرج عن الملة ولذلك فلهؤلاء وأمثالهم نصيب من الذم المذكور في الآية كل بقدره وقد أشار إلى هذا المعنى العلامة المفسر الشهير ابن عطية الأندلسي في تفسيره المحرر الوجيز ١٣/ ١٩ - وكأنه يرد على ابن حزم أيضا -:

والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا


(١) تخريجه في السلسلة الصحيحة ٢٥٥٢. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>