البيان والحجة والفائدة قال رحمه الله وأثابه خيرا ص ١٦٧ - ١٦٨:
والعارف من نظر في الأسباب إلى غاياتها ونتائجها، وتأمل مقاصدها وما تؤول إليه ومن عرف مقاصد الشرع في سد الذرائع المفضية إلى الحرام قطع بتحريم هذا السماع فإن النظر إلى الأجنبية واستماع صوتها حاجة حرام سدا للذريعة وكذلك الخلوة بها.
ومحرمات الشريعة قسمان:
قسم حرم لما فيه من المفسدة.
وقسم حرم لأنه ذريعة إلى ما اشتمل على المفسدة.
فمن نظر إلى صورة هذا المحرم ولم ينظر إلى ما هو وسيلة إليه استشكل وجه تحريمه وقال: أي مفسدة في النظر إلى صورة جميلة خلقها الله تعالى وجعلها آية دالة عليه؟ وأي مفسدة في صوت مطرب بآلة تؤديه أو استماع كلام موزون بصوت حسن؟ وهل هذا إلا بمنزلة سماع أصوات الطيور المطربة ورؤية الأزهار والمناظر المستحسنة من الأماكن المعجبة البناء والأشجار والأنهار وغيرها؟
فيقال لهذا القائل: تحريم هذا النظر إلى الصور وهذه الآلات المطربة من تمام حكمة الشارع وكمال شريعته ونصيحته للأمة فإنه حرم ما اشتمل على المفاسد وما هو وسيلة وذريعة إليه ولو أباح وسائل المفاسد مع تحريمها لكان تناقضا ينزه عنه ولو أن عاقلا من العقلاء حرم مفسدة وأباح الوسيلة المفضية إليها لعده الناس سفيها متلاعبا وقالوا: إنه متناقض وهل يمكن لمن شم رائحة الشريعة والفقه في الدين أن يرد هذا الكلام؟ وهل هو إلا بمثابة أن يقال: أي مفسدة في الصلاة لله بعد الصبح وبعد العصر حتى ينهى عنها؟ وأي مفسدة في تحريم الصلاة إلى القبور وفي النهي عن الصلاة فيها؟ وأي مفسدة في تقدم رمضان بيوم أو يومين؟ وعن سب آلهة المشركين في وجوههم؟ إلى أضعاف أضعاف هذا مما نهى عنه الشارع سدا لذريعة إفضائه إلى المحرم الذي يكرهه ويبغضه وهل هذا إلا محض حكمته ورحمته