للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التبرع بإحدى الكليتين هذا بالنسبة للحي؛ لأنه هو بحاجة في ذلك وإلا {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: ٣].

كما قلنا وهذه الأمثلة اليدين والرجلين أمثلة ملموسة تماماً، وكما سمعتم هذا أمر خفي باطني، وأعتقد أنه لو قُطِعت اليد ما هناك خطر على المقطوع يده، بدليل أن الشرع جاء بقطع اليد، وكم وكم من ناس ارتكبوا الذنب الذي يقتضي قطع اليد وربما قطع الرجل، مع ذلك عاشوا، لكن الكلية الثانية إذا ما تعرضت للخطر، يجوز أنه يتعرض للموت، ولذلك كما سمعتم أنه هنا أخطر في التبرع بإحدى الكليتين هذا بالنسبة للحي ..

بالنسبة للميت، فهنا يتغافل أو يغفل كثير من الناس الذين يفتون بجواز شق قلب الميت واستخراج إحدى الكليتين؛ لينتفع بها الحي، هنا تحضرني كلمة تُنْقَل عن أبي العلاء المعري، وإن كان هو رجل لا يُسْتشهد بكلامه، لكن الكلام حق سواء خرج من غير أهله أو من أهله، لما رأى رجلاً مريضاً وصفوا لحم .. أو شاةٍ صغيرة قال: استصغروك فوصفو لك، هل وصفوا لك شبل الأسد؟ فتسلطوا على الأموات وحكموا بالاستفادة من إحدى الكليتين، لكن الشرع يقول لا يجوز التمثيل حتى بالكفار، وهذا من أدب الإسلام فما بالك بالتمثيل بالمسلمين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «كسر عظم المؤمن الميت ككسره حياً» .. كسر عظم المؤمن الميت ككسره حياً.

إذاً: شَقُّك لبطنه ولأعصابه وما أدري ما الذي يمر في طريقه، الطبيب أعرف مني للوصول إلى هذه الكلوة، هذا تمثيل لهذا الميت، وهم لا يُفَرّقون مع الأسف حينما يفتون هذه الفتوى، لا يفرقون بين المسلم والكافر وربنا يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: ٣٥] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٦] إن أرادوا ولا بد من مثل هذه الفتوى تحقيقاً للمصلحة - زعموا - مصلحة الحي على حساب الميت، على الأقل يُقَيِّدوها بالكافر؛ لأن الرسول حينما قال: «كسر عظم الميت» وصفه بالمؤمن قال: ككسره حياً، مع ذلك فأنا أرى أن هذا الأسلوب يترفع

<<  <  ج: ص:  >  >>