أما لو كان الدافع لهم على ذلك اجتهاد من كتاب الله من حديث رسول الله لا بأس، فهو مأجور على كل حال، لكن ليس الوازع على هذا. هذه مقدمة.
نحن نقول: ذكرت أن بعضهم قال: أنه لا تعدو المسألة أن تكون من الفضائل، من الأمور المستحبة من شاء فعل ومن شاء ترك، أنا في علمي أن هناك طائفة أخرى يقول لك: هذه فعلتها أو تركتها سواء، نقول: هؤلاء كثَّر خيرهم، هؤلاء جماعة طيبين، هؤلاء الذين يقولوا: إن هذا أمر مستحب وفضيلة، معناها تركوا الباب مفتوحاً أمام المتعبدين، الذين يريدون أن يتقربوا إلى الله زلفى باتباع الرسول عليه السلام فيما فعل وفيما أمر، أما الآخرون لقد نسفوا كل الأدلة التي ستسمعونها وألغوها إلغاء مطلقاً، وجعلوا مسألة إعفاء اللحية والإطاحة بها أرضاً سواء، وما نظروا إلى هدي الرسول بل إلى هدي المُصْطَفين الأخيار من الأنبياء والرسل الأبرار، حيث لا يعرف التاريخ الأممي ولا أقول التاريخ الإسلامي فقط، لا يعرف نبياً حِلِّيقاً، وقرآننا يكفي دلالة:{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي}[طه: ٩٤].
إذاً: الأنبياء كانوا ملتحين، ألا يكفي أن يكون واضحاً لدى ذهن المسلم أن يكون مقتدياً في زيه وفي شكله بالأنبياء، وعلى رأسهم سيد الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ بلى، هذا والله يكفي، فما بالكم وعندكم هناك أمور تؤكد وجوب وفرضية إعفاء اللحية، ليس أنها مستحبة أو من الفضائل، أومن السنن المؤكدة، أو من الواجبات التي يُفَرِّق بعض المذاهب بينها وبين الفرائض، لا، تلك الأدلة تؤكد أن إعفاء اللحية هي من الفرائض التي يأثم مخالفها إثماً كبيراً.
وحينما تسمعون هذه الأدلة يصبح القول الذي حكاه الأستاذ أنهم يقولون: هذه من الفضائل هباء منثوراً، فمن باب أولى القول الآخر الذي ذكرته الذين يقولون: سواء حلقت أم عَفوت.
أول ذلك: يقول عليه الصلاة والسلام: «حُفُّوا الشارب واعفو اللحى،