فمسألة اللحية هذه، أولاً: نبينا صلوات الله وسلامه عليه والخلفاء الراشدون والصحابة أجمعون أكتعون أبتعون ما فيهم حِلِّيق اللحية أبداً، ثم انزل إلى التابعين، ثم، ثم الأئمة المجتهدين، لماذا نحن نجرؤ الآن نخالف هذا السلف كله، ابتداء من سيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الأئمة الأربعة والذين اتبعوهم بإحسان، الذين قالوا بوجوب إعفاء اللحية، والذين قرروا في كتبهم أن حليق اللحية لا تقبل له شهادة، لأنهم اعتبروا ذلك من هؤلاء الحليقين فسقاً.
فلماذا نخالف كل هذا الجمهور، والله عز وجل يقول، وهذا الآية وحدها تكفي، فضلاً عن هذا البحث العلمي، هذا الذي قد يعتبره البعض ما يشبه الفلسفة، لكنه العلم وإنه لحق مثلما أنكم تنطقون، لو لم يكن في الموضوع إلا الآية التالية وهي قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣]، والآية الأخرى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥] نحن اليوم لا نتبع في حَلْقِنا للحيتنا سبيل المؤمنين، وإنما نحن نتبع مع الأسف الشديد سبيل الكافرين، الذين كل من كان عنده شيء من الثقافة يعترف معي أنهم لما استعمرونا في بلادنا، استعمرونا -وهذا استعمار أخطر- فكرياً وثقافياً، فلما خرجوا من بلادنا وتركونا في زعمنا أحراراً، وإذا بنا لا نزال نعيش مستعبدين منهم فكرياً، أين كان حلق اللحية من عادة المسلمين؟ أبداً.
هذه العادة أدخلها الأتراك الذين امتدوا غرب أوروبا، واحتلوا كثيراً من تلك البلاد، لكنهم مع الأسف لم يكن عندهم الحصانة من الكتاب والسنة، التي تحملهم على أن يحافظوا على العادات الإسلامية، فاستحسنوا حلق اللحية، واستحسنوا تغيير اللباس العربي بهذا اللباس الضَّيق الذي تنتج منه أمور تنافي كمال الصلاة، فتجد الشاب الذي يصلي متبنطلاً يضطر أنه يعمل حركات، يرفع شويه كمي .... البنطلون عشان الكوية هذه ما تنكسر، وربما ما ينفتق من وراء الضيق التفصيل، هذا كله من أين جاءنا؟ جاءنا من الاستعمار الفكري.