للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهر بنوع من الذكر كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كحديث ابن عباس هذا؛ وجب علينا التوفيق بينه وما قد يكون في معناه، وبين الأحاديث التي تنهى عن رفع الصوت بالذكر ومن أهمِها: ما رواه الإمام مالك في الموطأ وأبو داود في سننه وغيرُهما في غيرِهما؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع مرة أصواتًا في المسجد، فأزاح الستارة وقال: «يا أيها الناس لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة» زاد غير المذكورَيْن زيادة هامة مبينة سبب النهي؛ ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «فتؤذوا المؤمنين»، «لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» فإذا كان هذا الحديث صريحًا في النهي عن الجهر ومعللاً بعلة واضحة معقولة المعنى وهي: أن لا يشوش الجاهر بالذكر عقب الصلوات على المصلين أو على الذاكرين، كان حين ذاك من الضروري أن يُحمل حديث ابن عباس وما قد يكون في معناه مما يدل على أن جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر بعد الصلاة جهرًا؛ ينبغي أن يحمل هذا الحديث ونحوه على أنه كان من أجل التعليم، ولم يكن ليتخذ سنة مطردة لأن ذلك ينافي المبدأ الذي جاء ذكره آنفًا في حديث الموطأ وغيره: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» وهذا الإيذاء يلمسه الفاحص الباحث لمس اليد حينما يكون أحد المصلين مسبوقًا بركعة أو بأخرى، فيقوم الناس يجهرون بالذكر دبر الصلاة، فلا يعرف هذا المصلي كيف يتم صلاته لكثرة ما يحيط به من التشويش عليه بسبب رفع الصوت بالذكر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» فالإيذاء هنا: كما لا يخفى على أحد إيذاء معنوي ألا وهو: التشويش على المصلين وعلى التالين وعلى الذاكرين.

فإن من الملاحظ ما ذكرته أولاً أن بعض الناس قد يسبقون في بعض صلواتهم فإذا رفع الجالسون وراء الإمام أصواتهم؛ بل لو رفع نفس الإمام صوته بالتكبير لشوش على هؤلاء المسبوقين، بل ولشوش أيضًا على الذاكرين الذين يريدون أن يأتوا ببعض الأذكار المشروعة بعد الصلاة، مثلاً بعض الناس يقولون عقب سلام الإمام: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» والحديث يقول: أن الصحابة كانوا يعرفون انقضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>