صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - برفع الصوت بالتكبير:«اللهم أنت السلام»«اللهم إني أعوذ بك» وما شابه ذلك مما هو معلوم لا يشمله لفظة التكبير؛ وإنما يشير هذا الحديث إلى التهليل الذي قد يخالطه شيء من التكبير، فحينئذ إذا رفع الإمام صوته بنوع من الذكر فالمقتدون لا مناص لهم من أحد شيئين:
إما أن يتابعوه ويمشوا معه في ذكره الخاص ولو كان مشروعًا، وهنا يرِد موضوع الذكر الجماعي الذي يعرف في بعض البلاد كسوريا بالجُوق أو الجَوق أي: جماعةً، وكانوا -وربما لا يزلون حتى الآن - يؤذنون خمسة أو أكثر من مؤذنين؛ وفي المنارة وفي أكبر مسجد في دمشق أذانًا واحدًا بصوت واحد، ومع ذلك فبعد أن وجدت مكبرات الصوت هذه فأيضًا لا يزالون يستمرون على هذه البدعة وهي بدعة الجوق أي الأذان الجماعي، وهذا ليس بمشروع، كذلك يجتمعون في بعض المساجد على التهليلات العشر المشروعة دبر صلاة المغرب، ودبر صلاة العشاء بصوت واحد جهرًا، لاشك أن في هذا تشويش إما على المسبوقين وإما على التالين أو الذاكرين بأذكار غير هذا الذكر الذي يرفع الإمام صوته به.
فإذن الجمع بين هذا الحديث - حديث ابن عباس- والأحاديث التي تنهى عن التشويش على المصلين أو التالين إنما هو كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه:«الأم»: «أن رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته بالتكبير كان من أجل التعليم» أي: كان تشريعًا زمنيًا لحكمة واضحة؛ وهو تعليم الناس ما ينبغي أن يقولوا بعد الصلاة، وهذا يستلزم أن يرفع الإمام صوته من باب التعليم.
ونحن نعلم من كثير من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع صوته أحيانًا في بعض من السنة خفض الصوت فيه، فكلنا يعلم أن القراءة بعد الفاتحة في صلاة الظهر والعصر تكون سرًا ولا يشرع الجهر فيها، ومع ذلك فقد قال أبو قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه حينما روى حديث قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر وفي صلاة العصر سرًا، قال رضي الله عنه:«وكان يسمعنا السورة أحيانًا» لماذا؟ ليعلُمهم بما يقرأ في الصلاة السرية، فهنا فائدة التعليم تغلبت - وهي فائدة عارضة