وجده يصلي فألقى عليه السلام لفظًا كما هو الواجب، ولكنه رضي الله عنه فوجئ بما لم يكن في حسبانه؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عليه السلام لفظًا وإنما أشار إليه برأسه إشارةً هكذا، قال عبد الله بن مسعود: فأخذني ما قرب وما بعد يحدث نفسه يتساءل يقول: ترى ماذا جنيت .. ماذا ارتكبت حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد علي السلام، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة، قال:«إن الله يحدث في أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا كلام في الصلاة» فقد كان هذا الكلام بين المسلم على المصلي وبين رد المصلي بالسلام كان رده لفظًا، هكذا فارق عبد الله بن مسعود نبيه - صلى الله عليه وسلم - حينما هاجر إلى الحبشة.
فلذلك فكانت مفاجئة ما رآه من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأول مرة بعد أن فارقه وهو عهده بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرد السلام في الصلاة لفظًا؛ ذلك أن الكلام من الأحكام التي لم يحرم في الصلاة فورًا، أي: لم يكن من المحرم في الصلاة حينما أمروا بالصلاة، وإنما حرم الكلام فيما بعد حتى لقد كان المصلي يدخل المسجد فيجد الصلاة قائمة، ولا يدري هذه الركعة هي الأولى أو الثانية، فيقف في الصف ويسأل من كان قائمًا يصلي: أي ركعة هذه؟ هذا قبل تحريم الصلاة، فيجيبه: هذه الركعة الأولى، أو هي الركعة الثانية، فإذا كان قد فاته ركعة ماذا يفعل هذا المسبوق بركعة؟ إنه يأتي بهذه الركعة الفائتة ثم يشارك الإمام في صلاته، هكذا كان في أول الأمر قبل تحريم الكلام في الصلاة.
إلى أن دخل ذات يوم معاذ بن جبل رضي الله عنه فلم يفعل كما كانوا يفعلون .. لم يسأل من كان على جانبه وإنما أحرم واقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم لما قضيت الصلاة قام وجاء بالركعة الفائتة، فقال عليه الصلاة والسلام:«لقد سن لكم معاذ سنةً فافعلوا ما فعل» أي: لم يبق حاجة إلى أن يأتي المسبوق بالركعة الفائتة كما كانوا يفعلون من قبل بعد سؤال المصلين، وإنما أن يفعل كما فعل معاذ رضي الله عنه، وهذا مما أكده عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه بين الشيخين البخاري ومسلم حيث رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة