ونحو ذلك استحب الارتفاع لتحصيل هذا المقصود. هذا مذهبنا وهو رواية عن أبي حنيفة، وعنه رواية أنه يكره الارتفاع مطلقا وبه قال مالك والأوزاعي، وحكى الشيخ أبو حامد عن الأوزاعي أنه قال: تبطل الصلاة».
قلت: ولعل مستنده في ذلك أن النهي الوارد خاص بالصلاة وذلك يفيد البطلان والله أعلم. وكان اللائق أن يكون هذا القول مذهبا لابن حزم ولكنه - على العكس من ذلك - ذهب إلى جوازه محتجا بحديث سهل بن سعد الآتي ولا دليل فيه كما يأتي بيان ذلك وضعف حديث ابن مسعود المذكور حيث قال:«وهو خبر ساقط انفرد به زياد بن عبد الله البكائي وهو ضعيف». كذا قال وليس هو بهذه المنزلة في الضعف بحيث يقطع بضعفه ثم هو لم يتفرد به كما سبق بيانه.
هذا وقد روى الطبري في «الكبير» عن عبد الله بن مسعود أنه كره أن يؤمهم على المكان المرتفع. قال في «المجمع»: «ورجاله رجال الصحيح».
وقد ذهب بعضهم إلى أن المنهي عنه إنما هو إذا كان ارتفاع المكان قدر قامة وزيادة بشرط أن يكون في المسجد وعكس ذلك جائز عندهم، ولا دليل على هذا التفصيل في السنة إنما هو مجرد رأي بل كل مكان يصح أن يقال فيه لغة وعرفا: إنه أرفع من مكان المؤتمين فهو منهي عنه.
ولذلك قال الشوكاني بعد أن حكى أقوال العلماء في الفرق المشار إليه:
«والحاصل من الأدلة منع ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها لقول ابن مسعود: إنهم كانوا ينهون عن ذلك وقول ابن مسعود: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... » الحديث، ثم قال:«وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع للإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل المنع، ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه».