عاصم بن أصرح، فإنه ذكر رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ثم الركوع والرفع منه، يقول فيهما: مثل ذلك، فلو كان في حفظ وائل وضع اليدين بعد الرفع لذكره أيضا كما هو ظاهر من ذكره الرفع ثلاثا قبله، ولكن لما فصلت تلك الجملة عن محلها من الحديث أوهمت الوضع بعد الرفع، فقال به بعض أفاضل العلماء المعاصرين، دون أن يكون لهم سلف من السلف الصالح فيما علمت. ومما يؤكد ما ذكرنا رواية ابن إدريس عن عاصم به مختصرا بلفظ:«رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كبر أخذ شماله بيمينه».
ومثل هذا الوهم بسبب الاختصار من بعض الرواة أو عدم ضبطهم للحديث يقع كثير، ولقد كنت أقول في كثير من محاضراتي ودروسي حول هذا الوضع وسببه: يوشك أن يأتي رجل ببدعة جديدة اعتمادا منه على حديث مطلق لم يدر أنه مقيد أيضا، ألا وهي الإشارة بالإصبع في غير التشهد، فقد جاء في «صحيح مسلم» حديثان في الإشارة بها في التشهد أحدهما من حديث ابن عمر، والآخر من حديث ابن الزبير، ولكل منهما لفظان مطلق ومقيد، أو مجمل ومفصل:«كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها .. »، فأطلق الجلوس. والآخر:«كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى .. » الحديث. فقيد الجلوس بالتشهد. ونحوه لفظا حديث ابن الزبير. فاللفظ الأول «جلس» يشمل كل جلوس، كالجلوس بين السجدتين، والجلوس بين السجدة الثانية والركعة الثانية المعروفة عند العلماء بجلسة الاستراحة. فكنت أقول: يوشك أن نرى بعضهم في هاتين الجلستين!
فلم يمض على ذلك إلا زمن يسير حتى قيل لي بأن بعض الطلاب يشيرون بها بين السجدتين، ثم رأيت ذلك بعيني من أحد المتخرجين من الجامعة الإسلامية حين زارني في داري في أول سنة «١٤٠٤» ونحن في انتظار حدوث البدعة الثالثة، ألا وهي الإشارة بها في جلسة الاستراحة، ثم حدث ما انتظرته، والله المستعان، وقد وقع مثل هذا الاختصار الموهم لشرعية الإشارة في كل جلوس في حديث وائل أيضا من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عنه، وهو في «مسند أحمد» «٤/ ٣١٦ -