قال مَنْ بعده: ما كره؛ فهو حرام عند محمد؛ لا سيما وهو متعلق بعبادة الأحد! ! فانظر كيف تدرج الجهلُ، وتركب في نظر العقل العاري عن النقل إلى أن جعل السنة المشهورة من الأمور المنهية المحرمة المهجورة! فاعلم أن تعريف الحرام: ما ثبت نهيه بالدليل القطعي من الكتاب والحديث.
ومن القواعد المقررة أن تحريمَ المباحِ حرامٌ؛ فكيف السنة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام؟ ! مع أنه يكفي في موجب تكفير الكيداني إهانةُ المحدِّثين الذين هم عمدة أئمة الدين المفهوم من قوله: كأهل الحديث. المفضية إلى قلة الأدب المقتضي لسوء الخاتمة؛ إذ من المعلوم أن أهل القرآن أهل الله، وأهل الحديث أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! وأُنشد في هذا المعنى:
أهل الحديث هُمُ أهل النبي وإن لم. .. يصحبوا نَفْسَهُ أنفاسَه صحبوا أماتنا الله على محبة المحدثين وأتباعهم من الأئمة المجتهدين، وحشرنا مع العلماء العاملين تحت لواء سيد المرسلين. والحمد لله رب العالمين». اهـ كلامه رحمه الله.
هذا؛ وفي «التعليق الممجد على موطأ محمد» لعبد الحي اللكنوي «١٠٦»: «وقد ذكر ابن الهُمَام في «فتح القدير»، والشُّمُنِّي في «شرح النقاية» وغيرهما أنه ذكر أبو يوسف في «الأمالي» مثل ما ذكر محمد.
فظهر أن أصحابنا الثلاثة اتفقوا على تجويز الإشارة؛ لثبوتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بروايات متعددة وطرق متكثرة، لا سبيل إلى إنكارها، ولا إلى ردها. وقد قال به غير واحد من العلماء؛ حتى قال ابن عبد البر:«إنه لا خلاف في ذلك».
وإلى الله المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا من أصحاب الفتاوى - كصاحب «الخلاصة» و «البزّازية الكبرى» و «العَتّابية» و «الغِياثية» و «الولوالجية» و «عمدة المُفْتِي» و «الظهيرية» وغيرها - حيث ذكروا أن المختار هو عدم الإشارة! بل ذكر بعضهم أنها مكروهة! والذي حملهم على ذلك سكوتُ أئمتنا عن هذه المسألة في ظاهر الرواية، ولم يعلموا أنه قد ثبت عنهم بروايات متعددة، ولا أنه ورد في أحاديث متكثرة.