النص العام الآخر:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فهنا عمومان تعارضا فأين العامين يسلط على العام الآخر، العام القرآن أم العام الحديثي؟ لا فرق عندنا بين القرآن وبين الحديث من حيث وجوب العمل بكل منهما، والفلسفة التي تقال مما ذكرناه آنفاً هذه لا يعتد بها عند جماهير العلماء بل حتى عند الواضعين تلك القاعدة وحيث خالفوها في كثير من الأمور الأخرى التي تفرعت من مخالفتهم لتطبيق هذه القاعدة، فلا فرق عندنا بين الآية وبين الحديث من حيث وجوب العلم بكل منهما، ولكن هنا عمومان تعارضا فأيهما يخصص الآخر ... دقة في الأمر؟
إذا نظرنا إلى المذاهب قلنا: الحنفية خصصوا الحديث بالقرآن .. وعكس الآخرون فقالوا: نحن نخصص القرآن بالحديث وتكون الحصيلة مختلفة تماماً: من يخصص الآية بالحديث فمعناها كالتالي: فاستمعوا له إلا في قراءة الفاتحة وراء الإمام، فمن عكس ذلك نقول:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» إلا من كان يسمع قراءة الفاتحة من الإمام فعليه الصمت والسكوت: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة: ١٤٨] وإنما لقضية إذاً الأمر الدقيق في ترجيح أحد المذهبين على الآخر.
والذي رأيناه [أن النص الذي] يطرأ عليه تخصيص ما حينئذٍ يخصص به النص العام المخصص لغيره ولا يزول التخصيص العام الذي لم يخصص مطلقاً النص العام الذي خصص لغيره.
هذا كلام دقيق جداً لكن قد يحتاج إلى توضح بمثال: هو المثال الآن بين أيدينا لكن قبل ذلك نأتي إلى الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة: قبيل طلوع الشمس، وعند استوائها في وسط السماء، وعند الغروب، هذه النصوص عامة ولا شك قد تعارضها صورة أخرى فيها بيان لجواز بعض الصلوات في هذه الأوقات.
مثلاً الحديث الذي جاء في سنن الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سلم ذات يوم من صلاة الفجر قام رجل يصلي، فقال له: «أصلاتان معاً؟ لما سلم الرجل قال: يا