للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة الجمعة القبلية لا تثبت:

ومما سبق تعلم الجواب عن السؤال الثاني الوارد في الفقرة الرابعة:

«فمتى تصلى السنة القبلية إذا ثبتت؟ ». وهو أنه لا أصل لهذه السنة في السنة الصحيحة ولا مكان لها فيها، فقد علمت من الأحاديث المتقدمة أن الزوال فالأذان فالخطبة فالصلاة سلسلة متصلة آخذ بعضها برقاب بعض فأين وقت هذه السنة؟ ولهذا المعنى يشير كلام الحافظ العراقي: «لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي قبل الجمعة لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بيين يديه ثم يخطب» (١). وقد انتبه لهذا المعنى بعض علماء الحنفية حين ذهبوا إلى أنه إنما يجب السعي وترك البيع يوم الجمعة بالأذان الأول الذي يكون قبل صعود الخطيب وقالوا إنه هو الصحيح في المذهب مع علمهم أنه لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن نزول الآية {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الآية وأنها نزلت في الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر كما تقدم علموا هذا كله لشهرته في كتب السنة، ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا قول الطحاوي منهم الذي وافق ما في السنة بقوله: إن الأذان الذي يجب به ترك البيع إنما هو الذي عند صعود الخطيب فقالوا: «لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية الخ» (٢).

فهذا اعتراف ضمني بأن السنة القبلية المزعومة لم تكن معروفة في العهد النبوي وأن الصحابة كانوا لا يصلونها لأنه لم يكن آنئذ الوقت الذي يتمكنون فيه من أدائها وهذا أمر صحيح، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد: «ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة». وتعقبه الكمال ابن الهمام في فتح القدير «١/ ٤٢٢» فقال بعد أن نقل معنى كلامه دون أن يعزوه إليه: «وهذا مدفوع بأن خروجه - صلى الله عليه وسلم - كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعدما يصلي الأربع ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما


(١) نيل الأوطار ٣/ ٢١٦ وللحافظ في الفتح ٢/ ٣٤١ معناه وسيأتي نص كلامه ص ٥٨ - ٥٩. [منه].
(٢) البحر الرائق ٢/ ١٦٨ والعناية على الهداية ١/ ٤٢١. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>