للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسبب الذي جعل العلماء يتبنون هذه القاعدة هو أنه من المعلوم ضرورة شرعية أن الله عز وجل حينما بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة والرسالة ما أنزل عليه الأحكام الشرعية كلها خطوة واحدة، وإنما جاءت هذه الأحكام على التدرج، وهذا أمر مقطوع به لدى الجميع، إنما كانت دعوة الرسول عليه السلام الأولى واهتمامه الأول هو بتبليغ دعوة التوحيد إلى الناس، أما الأحكام الشرعية فجاءت بالتدرج.

هنا الآن يرد سؤال أعتقد جوابه معروف: هذه الأشياء التي جاء تحريمها فيما بعد، ما كان حكمها في أول الإسلام؟ لا شك أن الجواب: كان على الإباحة؛ لأنه كما جاء في حديث أذكره لما فيه من صلة بهذا البحث أولًا، وللتنبيه على ضعف إسناده ثانيًا، ألا وهو الحديث المعروف بالأربعين النووية: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها» فما كان من الأحكام مسكوتًا عنها في أول الإسلام فهي مسكوت عنها، والسكوت عن الشيء يعني جوازه، فقبل تحريم الخمر مثلًا ما كان حكم الخمر؟ طبعًا لم يكن هناك نص: اشربوا الخمر، وهنيئًا لكم في الخمر، وإنما كان مسكوتًا عنه، ويوم دخل بعض الصحابة في الصلاة وهو سكران ترى! هل شرب الخمر قبل الصلاة وهو قد بلغ من الرسول عليه السلام أنها محرمة؟ طبعًا لا، إذًا: ما كان حكم الخمر في هذه الحالة التي شربها هذا الصحابي وغيره كما هو في أحاديث كثيرة، كانت على الأصل المسكوت عنه وهو الإباحة، ثم جاء التحريم على التدرج المعروف ...

هكذا مثلًا لما حرم الذهب، قبل تحريم الذهب ما كان حكم الذهب؟ قبل تحريم الحرير ما كان حكمه؟ كل ذلك كان مسكوتًا عنه فكانت على الإباحة، فلما جاءت النصوص المحرمة لهذه الأشياء تبناها العلماء، ومن هنا قالوا: إذا تعارض نصان أحدهما مبيح والآخر حاظر محرم، قدم الحاظر على المبيح، كل هذا وذاك يدخل في قاعدة يدندن حولها كثيرًا ابن حزم رحمه الله في كتابه: الإحكام في أصول الأحكام، وخاصة في مناقشته للمخالفين في كتابه الآخر: المحلى، فهو يقول: يجب أن يؤخذ الزائد الزائد من الأحكام.

<<  <  ج: ص:  >  >>