العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الإجماع المذكور، وذلك لامرين: الأول: أن الإجماع بالمعنى الأصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي عُلمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في «أصول الأحكام» والشوكاني في «إرشاد الفحول» والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه «أصول الفقه» وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من ادعى الإجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في «المسائل».
الثاني: أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الإجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الإجماع فيها، ولو شئت أن اورد الأمثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده. فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد، وهو نقل النووي الإجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة! مع أن الخلاف فيها قديم معروف، وأكثر أهل العلم على خلاف الإجماع المزعوم، كما سبق تحقيقه في المسألة «٨٧»، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى. وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد، وهو قياس باطل من وجوه: الأول: أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}[فاطر: ١٨] وغيرها من الايات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالاعمال الصالحة، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه عليه فكان له أجره بخلاف غيره.
الثاني: أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت أن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره، والله عز وجل يقول:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر: ٣٨] ويقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦].
وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩]: «أي كما لا يُحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الاجر