بمقتضاه، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فعلوا لاشهر ذلك عنهم، ثم نقله الثقات إلينا، لأنه من الأمور التي تلفت النظر، وتستدعي الدواعي نقله، فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع، وأن التقرب به إلى الله بدعة، فثبت المراد. وإذا تبين هذا، سهل حينئذ فهم بطلان ذلك القياس الهزيل الذى نقله السيوطي في «شرح الصدور» عمن لم يسمه:
«فإذا خفف عنهما بتسبيح الجريدة فكيف بقراءة المومن القرآن؟ قال: وهذا الحديث أصل في غرس الأشجار عند القبور»!
قلت: فيقال له: «أثبت العرش ثم انقش»، «وهل يستقيم الظل والعود أعوج»؟ فلو كان هذا القياس صحيحا لبادر إليه السلف لأنهم أحرص على الخير منا.
فدل ما تقدم على أن وضع الجريد على القبر خاص به - صلى الله عليه وسلم -، وأن السر في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ودعائه لهما، وهذا مما لا يمكن وقوعه مرة أخرى بعد انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الاعلى ولا لغيره من بعده - صلى الله عليه وسلم -، لان الاطلاع على عذاب القبر من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، وهو من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الرسول كما جاء في نص القرآن «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول» واعلم أنه لا ينافى ما بينا ما أورده السيوطي في «شرح الصدور»«١٣١»:
«وأخرج ابن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا برزة الاسلمي رضي الله عنه كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على قبر وصاحبه يعذب، فأخذ جريدة فغرسها في القبر، وقال: عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة. وكان أبو برزة يوصي: إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين.
قال: فمات في مفازة بين «كرمان» و «قومس»، فقالوا: كان يوصينا أن تضع في قبره جريدين وهذا موضع لا نصيبها فيه، فينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل «سجستان»، فأصابوا معهم سعفا، فأخذوا جريدتين، فوضعوهما معه في قبره.