المختلف فيه ألا وهو صيام السبت، وإذا كان هذا الكلام الذي أقوله الآن مسلماً به، ولا أظن أحداً يناقش فيه.
فإذاً: الجواب سبق عن هذا؛ لأنه لا فرق بين حديث جويرية من حيث أنه دَلَّ على إباحة صيام السبت، ولا فرق بالتالي بين حديث أم سلمة لأنه دل على نفس الدلالة، وأخيراً الحديث الثالث، فما كان جواباً عن الحديث الأول، كان جواباً عن الحديث الثاني، وما كان جواباً عن الحديث الثاني، كان جواباً عن الحديث الثالث، وأخيراً ذاك الجواب هو الجواب عن الأحاديث الثلاثة.
هذا من حيث تطبيق علم أصول الفقه: أن الحاظر مقدم على المبيح، وضربنا أمثلة تقريبية، وبعض من على يمينك من الأفاضل ممن يحضرون مجالس العلم قال لما سمع المثل الذي ضربته لكم وأنتم جميعاً حاضرون: افترض أنه جاء يوم اثنين أو يوم خميس يوم عيد، فهل تُفَضّل صيامه لما فيه من الفضيلة، أم تُؤْثر ترك هذا الصيام؛ لأنه صادف يوم عيد، وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم العيد، صرح بعض الأفاضل الحاضرين: والله إن هذا المثال يقنعنا تماماً، وقد نكون من قبل نقول بخلاف ما يقول الشيخ، أما الآن فهذا المثال مثال واضح جداً؛ لأنه إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّم الحاظرُ على المبيح.
لعلك تذكر معي أن هذا الكلام كله جرى في تلك الجلسة، فالآن ما الذي استفدناه ولا مؤاخذة من أنك ضممت إلى الحديث الأول حديث جويرية حديثين آخرين وهما كالأول، كلهم داخلون في موضوع الإباحة.
وحينئذٍ: فالقاعدة كما ذكرنا: إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّم الحاظر على المبيح، هذا من الناحية الفقهية.
من الناحية الحديثية: حديث ابن عباس الذي ذكرته آنفاً، الحقيقة أنني كنت في سنين مضت حَسَّنته في بعض كتبي، ثم تَبَيّن لي أن فيه رجلاً مجهول العدالة، ولذلك فرجعت عن تقوية هذا الحديث وتحسينه كما نقلت أنت عن الترمذي، وأدخلته في القسم الذي لم يُطْبَع بَعْدُ من «ضعيف الترغيب والترهيب» بل كان في الطبعة الأولى