للأحاديث التي نتبناها تصحيحا أو تضعيفا، فوجدت هذا الحديث من الناحية الحديثية لا مناص للباحث من تصحيحه؛ لأن له طُرُقا كثيرة، وبعضها صحيح لا إشكال ولا ريب فيه، وذلك كله مشروح في الكتاب المشار إليه «إرواء الغليل».
وبعد أن اطمأننت لصحة الحديث، كان لابد لي من التوجه لدراسة الحديث من الناحية الفقهية، وجدت الحديث صريح الدِّلالة لا يقبل نقاشا ولا جدلا في أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى فيه عن صيام يوم السبت إلا في الفرض فقال عليه الصلاة والسلام -نذكر هذا الحديث تذكيرا للحاضرين، أو تنبيها للغافلين- فقال عليه الصلاة والسلام:«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه»، «ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه».
لم يقتصر هذا الحديث على الأمر بإفطار يوم السبت إلا في الفرض؛ بل أضاف إلى ذلك تأكيدا بالغًا بقوله عليه الصلاة والسلام «ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة»، ولحاء الشجرة هو القشر الذي ليس من عادة الناس أنْ يستفيدوا منه إلا حطبًا للنار، بالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في الأمر بإفطار يوم السبت فقال:«ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة» فتأملت في هذا الحديث فوجدته نَصًّا صريحا في أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في الفرض.
وكلمة «الفرض» هنا لا يقتصر - كما توهم بعض الدكاترة - الصوم في رمضان فقط، بل هو أعم من ذلك؛ لأن من الفرض قضاء ما عليه من رمضان، ومن الفرض -مثلا- صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي بالنسبة للمعتمر، وهكذا من الفرض من كان نذر عليه صياما مُعَيَّنا، فعليه أن يلتزم ذلك؛ لأنه بالنذر صار فرضا، وهكذا.
والشاهد أن هذا نقطة وقفنا عندها؛ لأننا وجدنا بعضهم يتوهم أن هذا الاستثناء ينحصر في رمضان فقط، والأمر أوسع من ذلك؛ ولكنه مع هذه التوسعة فيما يتعلق فيما كان فرضا، فهذا الاستثناء ينفي بكل صراحة ما لم يكن فرضا.