السائل: على ذلك تأتي الإشكالات التي أشار إليها أخونا أبو إسحاق -آنفا- فإذا اتفق صوم يوم عرفة يوم السبت، فماذا يفعل المتسنن والمتّبع لهذا الحديث الصحيح، بعد أن يتفهّم معناه؟
نحن نقول كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام «إلا فيما افترض عليكم» وصيام يوم عرفة مع الفضيلة المعروفة في السنّة فهو ليس فرضا، كذلك إذا اتفق -مثلا- يوم عاشوراء كان يوم سبت، فالجواب هو الجواب.
وقد قرّبنا هذه المسألة لبعض المتوقِّفين عن العمل بهذا الحديث الصحيح الصريح، قرّبنا لهم ذلك بمسألتين اثنتين:
الأولى: تتعلق بقوله عليه الصلاة والسلام «من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه» وقلت بكل صراحة: إن الذي يفطر -مثلا- يوم عاشوراء أو يوم عرفة؛ لموافقته ليوم السبت، لا يتركه كسلا ولا هَمَلا، ولا رغبة عن الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء وفي صيام يوم عرفة؛ وإنما يترك ذلك لله.
وإذا الأمر كذلك: فالذي يفطر يوم عرفة لموافقته ليوم السبت، يكون أجره عند الله عز وجل -فيما نحسِب- أكثر من الذي يصومه؛ لأن الذي أفطره أفطره وتركه وترك صيامه لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي نهيه عن صوم يوم السبت إلا فيما أفترض علينا، أما الذي صامه فقد صامه رغبة في الأجر المنصوص عليه في الحديث.
ولكن هنا لابد لنا من لفتة نظرٍ إلى مسألة فقهية هامة أصولية هامة، ثم يأتي الأمر الثاني الذي أشرت إليه آنفا، إذا تعارض حكمان أو حديثان من الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام أحدهما يبيح شيئا والآخر ينهى عنه، أو يُحَظِّر عنه أو يحرِّمه، فهنا من قواعد التوفيق في علم أصول الفقه «أنه يُقدَّم الحاظر على المبيح».
الآن في الصورة السابقة صوم يوم عاشوراء أو صوم يوم عرفة، وقد اتفقا مع يوم السبت، وقد نهينا عن صيام يوم السبت كما ذكرنا.
حينئذٍ: لا بد من تطبيق القاعدة التي ذكرت آنفا؛ «تقديم الحاظر على المبيح»