بالدليل الذي يذكره المذهب دون أن يدرس هذه الأدلة على ضوء الأصول العلمية من أصول الحديث أو أصول الفقه، فهو -مثلاً- لا يعمل أصلاً من أصول الفقه كعام وخاص ومطلق ومقيد ونحو ذلك، لما يكون قد قرأه في علم الأصول ودرسه وربما [بحث] بحثاً نظرياً، ولكنه لم يطبق ذلك عملياً.
كذلك ما يتعلق بالأصل الآخر، ألا وهو أصل علم الحديث وأصوله، فهو -مثلاً- حينما ينقل أدلة كل قول أو مذهب لا يجري عليها التحقيق العلمي فيقول: هذا حديث صحيح، وهذا حسن، وهذا ضعيف ونحو ذلك، والذي يقعون فيه اليوم أنهم لسهولة ما يذهبون إليه ويقعون فيه يراعون ما يسمونه بالمصلحة، وذلك يغنيهم عن أن يُجْهِدوا أنفسهم وأن يطبقوا الأصول العلمية المشار إليها آنفاً.
ثم إذا رأوا المصلحة فماذا يراعون؟ مصلحة الفقير أم مصلحة الغني أم المصلحتين المتعلقتين بكل الفريقين، إنما هي مصلحة واحدة، أما الشارع الحكيم فقد رأى مصلحة الفريقين، وهذا هو الفرق بين حكم الشارع الحكيم، ونظر الناظرين والرائين من أهل الرأي.
هذا أريد -أيضاً- أن أُلْفِت النظر إليه، وشيء آخر وأرجو أن يكون هو الأخير، هؤلاء الرائين والناظرين، والذين يبحثون في مصلحة الفقراء والمساكين، هؤلاء ينظرون إلى المسألة التي نحن في صدد الكلام حولها، ينظرون إليه بعين واحدة، وهاكم البيان.
يقولون: ليس من مصلحة الفقراء والمساكين، ولا هو مما يدل على ذلك حكمة أحكم الحاكمين أن يكون الرجل عنده الملايين المملينة، قيمة عروض التجارة، ألا يُفْرض عليها الزكاة، ففيه تحريم الفقراء والمساكين من أن يحصلوا على حقهم المعلوم والمذكور في عموم قوله تعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات: ١٩].
وجوابي على هذا من ناحيتين اثنتين، ولعلنا ننتهي من بيانهما من الكلام حول هذه المسألة، لنتلقى ما قد يرد علينا من إشكالات أو شبهات أو اعتراضات.
الجواب الأول: أننا نحن نتمسك بالأصل العام الذي سبق الإشارة إليه في أول