الكلام، فنقول: يجب على هؤلاء الأغنياء بعروض التجارة زكاة منها نفسها، لتحقيق الغاية المفروضة التي من أجلها فُرِضت الزكاة بكل أنواعها وأشكالها كما أشار إلى ذلك ربنا عز وجل في القرآن الكريم بقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣].
فإذاً: على كل غني عنده عروض في التجارة، أن يُطَهِّر نفسه مما أحضرت عليه الأنفس ألا وهو الشح، كما قال عز وجل:{وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ}[النساء: ١٢٨]، أن يطهر نفسه من هذا الشح بأن يخرج ما تطيب به نفسه زكاة واجبة عليه، لكي يطهر نفسه من دنس البخل والشح. هذا الجواب الأول.
فلا يفهمن أحد من الأغنياء بعروض التجارة أن لا زكاة عليها مطلقاً؛ لأن بحثنا إنما هو أن لا زكاة عليها مُقَنَّنة بما سبق بيانه في أول الكلام، أما الزكاة المطلقة فلا بد منها، كما قال تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١]، هذا الحق، قسم منه مطلق فيجري على إطلاقه، وقسم منه مقيَّد كما جاء بيانه في السنة، وفي كتب الفقه أيضاً على خلاف بينهم في بعض الفروع.
أما الأمر الآخر: فأنا أقول -والواقع يؤكد ذلك- أن من حكمة أحكم الحاكمين أن الله عز وجل فرض على المال المكنوز زكاةً معينة بنصاب معلوم ما دام هذا المال مكنوزاً ولم يفرض مثل هذه الزكاة على هذا المال الذي كان مكنوزاً وتَحَوَّل إلى عروض تجارة، في ذلك حكمة بالغةٌ؛ لأن الفائدة الكبرى بالنسبة للفقراء والمساكين، بل وبالنسبة للمجتمع الإسلامي ككل، تتحقق بعدم فرض الزكاة هذه المقننة على هذه الأموال التي معروضة للتجارة أكثر، بدليل أن هذا المال المكنوز حينما يتحول إلى تجارة في ذلك تحريك هذه الأموال، وتشغيل الفقراء والمساكين، فتكون فائدتهم أولاً: أكثر من هذه النسبة المئوية التي تفرض على الأموال المكنوزة من الذهب أو الفضة، ثم تكون أطهر وأشرف لهم كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف:«اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة».