إما أنهم يَسْتَدْبرون القبلة بالدعاء، وإما على الأقل لا يستقبلونها فهم يقفون شرقاً وغرباً، وإن استقبلوا القبلة فهم يستقبلون بين أيديهم القبر النبوي، كل هذا مخالف للأدب الإسلامي؛ ولذلك لم يروَ عن أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم أن يأتوا المسجد، أن يأتوا القبر النبوي حينما يدخلون المسجد كما يفعل جماهير الناس اليوم ويتكتلون هناك ويجتمعون، ثم يُخِلُّون بأدب آخر وهو أنهم يرفعون أصواتهم عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أدب أَخَلُّوا به حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب تعظيمه واحترامه في حدود الشرع حياً وميتاً، ولا يُحْتَرم ولا يُعَظَّم بالإحداث في الدين كما ذكرت -آنفاً- من بعض ما يفعلون: رفع الأصوات عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أيضاً من الغلو في الدين؛ لأن رفع الصوت أولاً بالذكر كما عرفتم -أنفاً- من حديث أبي موسى الأشعري ليس مشروعاً، وبخاصة في ذاك الوقوف الذين يقفون فيه عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه الأفعال التي تقع من أولئك الجهال هو من الغلو الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث صحيح، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم غُلُّوهم في دينهم» أولئك أهل الكتاب الذين قال الله عز وجل مخاطباً إياهم مباشرةً في القرآن الكريم يا {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ} وهذا يُذَكِّرني بالحديث الآخر الذي أخل بمعناه كثيرٌ من أهل العلم، فضلاً عن أن جماهير المسلمين أخلوا بمعناه عملياً، ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تَطْرُوني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله».
الإطراء في اللغة يأتي تارةً بمعنى المدح مطلقاً، أي أطرى مدح، وتارةً يأتي بمعنى المبالغة في المدح، وهذا الفرق يجب أن تتذكروه بمناسبة الكلام على هذا الحديث؛ لأن كون هذه الكلمة لغةً تُعْطي هذين المعنيين المدح مطلقاً والمبالغة في المدح، كان هذا من أسباب الخلاف في تفسير هذا الحديث.