فكثير من المتقدمين فضلاً عن .. المتأخرين، فَسَّروا «لا تطروني» أي لا تبالغوا في مدحي وهذا له وجه في اللغة، ولكن الألفاظ اللغوية التي تتضمن أكثر من معنى، لا يجوز للمسلم أن يجنح أو أن يميل إلى معنىً من هذه المعاني دون أن يراعي ما يتعلق بهذا اللفظ الذي جاء في مكان واحد أو في سياق واحد، هذا أولاً، وأيضاً دون أن يُراعي ما يتعلق بتلك الكلمة من نصوص أخرى كثيرة يمكن بها أن يستعين المسلم في ترجيح معنى من المعنيين اللذين يتضمنهما اللفظ من حيث اللغة.
فهؤلاء الذين فَسَّروا «لا تطروني» أي لا تبالغوا في مدحي لهم وجهة نظر من الناحية اللغوية كما ذكرت آنفاً، لكن المعنى الآخر وهو «المدح مطلقاً» هو الأولى بسياق هذا الحديث وبنهايته؛ لأننا إن فَسَّرنا الإطراء بمعنى «الغلو في المدح» لم يلتئم هذا المعنى مع تمام الحديث الذي هو «ولكن قولوا عبد الله ورسوله».
إذا رجعنا إلى نص الحديث «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» نتصور كان قائلاً يقول ولو بلسان الحال إذاً: ماذا نفعل يا رسول الله؟ الجواب يأتي مباشرة؛ لأن الشرع كامل بإيحاء الله عز وجل إلى نبي هذا الكمال المنصوص عليه في القرآن، فجاء الجواب بدون سؤال «قولوا عبد الله ورسوله» فتفسير المبالغة في المدح لا يلتقي مع أمر الرسول عليه السلام وهو: «قولوا عبد الله ورسوله» هذا شيء وشيء آخر: -وهو مهم في وجهة نظري-: أن هذا الحديث إذا فُسِّر بالمعنى الأول: «المبالغة في المدح» لا يتناسب مع تبويب بعض علماء الحديث، لهذا الحديث كالإمام أبي عيسى الترمذي الذي عقد باباً في كتابه الشهير «الشمائل المحمدية» بعنوان «باب تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم -» هذا الباب لا يلتئم مع المعنى الأول.
لأن كل مسلم عنده شيء من العلم والصلاح واجب عليه أن يقول:«لا تبالغوا في مدحي» هذا ليس من باب التواضع، هذا واجب على كل إنسان، فأولى وأولى بنبي الإسلام، فكيف يليق أو كيف يلتقي عندئذٍ الحديث مع هذا التفسير مع الباب، باب تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - في تنافر وليس هناك تلاقي مطلقاً بين هذا المعنى وبين هذا الباب.