للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما تعلمون -إن شاء الله- أن علماء الحديث يُتَرْجمون عن جانب من جوانب فقه الحديث ومعناه في الباب الذي يعقدونه فوقه، فباب تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يلتقي مع نهيه المسلمين عن مدحه مطلقاً، وليس عن الغلو في مدحه؛ لأن هذا الغلو هو فرض على كل مسلم، فليس للرسول حينئذٍ فضيلة خاصة فيما إذا نهى عن المبالغة في مدحه؛ ولأن الذي يليق بتواضعه عليه السلام كما تدل على ذلك سائر شمائله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو النهي عن المدح مطلقاً.

إذاً: صار عندنا حتى الآن أمران اثنان يُؤَكِّدان لنا تفسير الإطراء بمعنى المدح مطلقاً: «لا تمدحوني مطلقاً»

الأمر الأول: «قولوا عبد الله ورسوله».

الأمر الثاني: تبويب وترجمة علماء الحديث لهذا الحديث بباب تواضع الرسول عليه السلام هذا لا يلتقي مع التفسير الأول ألا وهو المبالغة في المدح، وإنما النهي عن المدح مطلقاً، وشيء ثالث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» يتوهم كثير من المتأخرين أن هذا التشبيه يعني النهي عن المبالغة في الإطراء، يتوهمون أن قوله عليه السلام: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» أي أنه يعني: لا تُبالغوا في مدحي؛ لأن هذا الذي وقعت فيه النصارى.

الحق: أن هذا التفسير ظاهريًا مقبولاً، لكن الحقيقة التي يعرفها أهل العلم، والذين يُقَدِّرون قاعدة سد الذرائع المقررة في الشريعة، هم أبعد ما يكونون عن هذه الملاحظة التي تشبث بها المؤولون للإطراء هنا بمعنى المبالغة في المدح؛ ذلك لأننا إذا وقفنا عند هذا التشبيه فربما قيل «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم» ماذا قال النصارى في عيسى بن مريم؟ قالوا إنه الله، إذاً: أنتم لا تُغَالوا وتقولوا فيّ كما قال النصارى في عيسى إنه ابن الله أو نحو ذلك مما هو شرك صريح.

هل من قائل يقول: -ولو كان من أولئك الناس الذين يفسرون الإطراء بمعنى المبالغة- يقف عند هذا الظاهر، يقول: «كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>