للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً وهو الأهم: حديث جابر، أن جابراً -رضي الله عنه- لا شك أن صنيعه يدل على صحة صلاة من يصلي مكشوف القسم الأعلى من البدن، ولكن هل لفعل هذا الصحابي من القوة ما يمكن أن يُعَارِض دلالة الحديث المرفوع والصحيح ثبوتاً، والصريح دلالة؟

الجواب: لا، باتفاق العلماء، ولذلك قيل: «إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل».

وقال علماء الأصول: «لا اجتهاد في مورد النص».

وها هنا رأي لصحابي جليل، والحديث الصحيح يخالف رأي أو فعل ذلك الصحابي، وحينئذٍ فلا بد من الرجوع إلى من أُمرنا بالرجوع إليه حين التنازع، كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩]، لذلك: كان مذهب إمام السنة وأعلم الأئمة الأربعة بالسنة، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كان من مذهبه العمل بالحديث الأول: «لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء».

ذلك لثبوت الحديث أولاً، ودلالته الصحيحة ثانياً، هذه الدلالة التي لا تقبل نقاشاً ولا جدلاً.

أما حديث أبي هريرة فالأمر فيه سهل، لذلك لأن جوابه عليه السلام كان مشيراً إلى أن من صلى في ثوب واحد، فذلك لأنه قد لا يجد ثوبًا آخر، ولذلك قال عليه السلام: «أَوَ كُلُّكم يجد الثوبين» ولعل جابراً رضي الله عنه حينما صدر منه ما ذكرناه آنفاً كان أولاً يعتمد على هذا الحديث، حديث أبي هريرة الثاني: «أو كلكم يجد الثوبين»، وثانياً: لم يبلغه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الواجد للثوبين في ثوب واحد، ولقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - الاهتمام بستر القسم الأعلى من البدن حتى ولو كان ليس عنده إلا ثوب واحد، فقد قال: إذا لم يجد إلا ثوباً واحد، فإذا كان واسعاً فليلتحف به، وإن كان ضَيِّقاً فليأتزر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>