للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قلنا: إنه لا يجوز الاستدلال به دراية مع صحته رواية؛ لأن لهذا الحديث مناسبة جاءت مقرونة مع الرواية نفسها، وهو في صحيح البخاري كما قلنا من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: «أنه كان في سرية مع جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرُّوا بقبيلة من القبائل العربية، فطلبوا منهم أن ينزلوا عليهم ضيوفاً فأبوا، فنزلوا بعيداً عنهم، فَقَدَّر الله تبارك وتعالى أن أرسل عقرباً فلدغت أمير الجماعة، فأرسل أحد أتباعه إلى هؤلاء الذين أرادوا أن ينزلوا عليهم فأبوا، فقال: انظروا لعلهم عندهم شيء؛ لأنهم من أهل الحضر، فجاء الرسول من قِبَل ذلك الأمير فعرض عليه أن يعالجه، ولكن اشترط عليه رؤوساً من الغنم -أنا نسيت الآن إما عشر وإما مائة- وهو رئيس قبيلة وغني، فقبل ذلك، فما كان منه إلا أن رقاه بالفاتحة، بعد أن مسح بالبصاق مكان اللدغ، فكأنما نشط من عقال، -هكذا يقول في الحديث- فأخذ الجُعْل وأتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، محتاطاً لعله لا يجوز أن يستفيد منه، فقال له عليه الصلاة والسلام -الحديث السابق- إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله».

فاختلف العلماء هنا، فالجمهور أخذ بالحديث مُفَسَّراً بالسبب، والشافعية أخذوا بالحديث دون ربطه بالسبب، وهذا هو السبب في الخلاف.

وينبغي أن يكون معلوماً لدى كل طالبٍ للعلم، أن من الضروري جداً لمن أراد التَفَقُّه ليس في السنة فقط، بل وفي القرآن أيضاً أن يعرف أسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث؛ فقد ذكر علماء التفسير أن معرفة سبب نزول الآية، يساعد الباحث على معرفة نصف معنى الآية والنصف الثاني يؤخذ من علم اللغة وما يتعلق بها من معرفة الشريعة.

كذلك نقتبس من هذا فنقول: أيضاً كثير من الأحاديث لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً إلا مع ربطها بأسباب ورودها، منها هذا الحديث، وهنا أحاديث كثيرة أيضاً لا يمكن أن تُفْهَم فهماً صحيحاً إلا بربط الرواية مع سببها، فحينما فصل الحديث: «إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» عن سبب وروده أعطى الإباحة

<<  <  ج: ص:  >  >>