لكن الذي أَفْقَهه من كثرة الأسئلة التي وردت إلينا وتناقشنا فيها ولستُ تاجراً، أنه لا بد للتاجر أن يكون له رأس مال في البنك، حتى تمشي معاملاته.
ولذلك أنا أردت الحديث على هذا الإيداع؛ لأن بين الأمرين تلازماً لا انفكاك بينهما، هذا شيء.
وشيء آخر، وأرجو أن يكون الأخير بالنسبة للسؤال الأول وليس الأخير: أن المسلم يجب عليه أن يتقي الله في طلبه للرزق، وليس من الضروري أن يُوَسِّع ماله بالطرق المُحَرَّمة، بل وبالسُبُل المشروعة، فضلاً عن الطرق المحرمة.
لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في أصحابه، وكان من جملة ما قال لهم:«يا أيها الناس! اتقوا الله، وأجملوا في الطلب؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فإن ما عند الله لا ينال بالحرام» أو كما قال عليه السلام.
«أجملوا في الطلب» أي: اسلكوا الطريق الجميل المشروع في طلب الرزق الذي أمركم الله تبارك وتعالى بالسعي وراء طلبه.
ولكن هذا ليس أمراً مطلقاً، وإنما أمراً مُقَيَّداً بحدود الشرع؛ ولذلك قال في آخر الحديث:«فإن ما عند الله لا يُنَال بالحرام»، هذا لا ينال بالحرام من حيث الأسلوب العربي، هو كقوله تعالى في القرآن:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٧].
أي: ينبغي ألاَّ يكون هو يُنْكِر أن يكون، ونحن نرى كثيراً من الحُجَّاج يحجون، ولسان ذلك البدوي يقول لكل منهم: وما حججت ولكن حَجَّت الإبل.
المقصود من الآية:«فلا رفث» أي: لا ترفثوا، «ولا جدال» أي: لا تجادلوا.
كذلك الحديث:«فإن ما عند الله لا يُنَال بالحرام» لا يفهمن أحد من هذا اللفظ النبوي العربي الأصيل أن هذا يُخالف الواقع؛ لأن هذه الخمَّارات وهذه البارات وهذه وهذه، إلى آخره يُحَصِّلوا رزقهم بالحرام.