ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وغيرهما بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث فقال:«أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال فمن سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب فليعلم وهاء تلك الدعوى وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا».
بل قال المحقق ابن القيم في الأعلام ٣/ ٤٥٨: إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ولا شطرها»!
قلت: ثم ساقها وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها فكيف الجزم بنسخها؟
وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في النهاية بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا:«قيل: كان هذا قبل النسخ فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء».
فإن لفظة:«قيل» للتمريض كما هو معروف.
وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر:«وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من الهوى وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك لأن هذا الدين محفوظ ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة»(١).
ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا
(١) كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة ١٠٣/ ١.