للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ (١) ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَبِهِ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَإِِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالأَْوْزَاعِيُّ، وَإِِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

إِِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، فَيَقُولُونَ بِتَغْرِيبِ الرَّجُل دُونَ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّ الْمَرْأَةَ مُحْتَاجَةٌ إِِلَى حِفْظٍ وَصِيَانَةٍ، فَلاَ يَجُوزُ تَغْرِيبُهَا إِِلاَّ بِمَحْرَمٍ، وَهُوَ يُفْضِي إِِلَى تَغْرِيبِ مَنْ لَيْسَ بِزَانٍ، وَنَفْيِ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وَلأَِنَّهَا عَوْرَةٌ، وَفِي نَفْيِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا وَتَعْرِيضُهَا لِلْفِتْنَةِ، وَلِهَذَا نُهِيَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَلَيْسَ حَدًّا كَالْجَلْدِ، وَإِِنَّمَا هِيَ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ يَجُوزُ لِلإِِْمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلْدِ إِِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، لأَِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: حَسْبُهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا.

وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الْخَمْرِ إِِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ، فَقَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ أُغَرِّبُ مُسْلِمًا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا، وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَلْدِ دُونَ التَّغْرِيبِ،


(١) حديث: " البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ". أخرجه مسلم (٣ / ١٣١٦ - ط الحلبي) من حديث عبادة بن الصامت.