للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ النُّكُول إِقْرَارٌ: بِأَنَّهُ يَدُل عَلَى كَوْنِ النَّاكِل كَاذِبًا فِي إِنْكَارِهِ السَّابِقِ، إِذْ لَوْلاَ ذَلِكَ لأََقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إِقَامَةً لِلْوَاجِبِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ نُكُولُهُ إِقْرَارًا دَلاَلَةً، إِلاَّ أَنَّهُ دَلاَلَةٌ قَاصِرَةٌ فِيهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ، لأَِنَّهُ فِي نَفْسِهِ سُكُوتٌ وَهَذِهِ الأَْشْيَاءُ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ قَاصِرٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ (١) .

الْقَوْل الثَّالِثُ: قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ النُّكُول لَيْسَ كَالإِْقْرَارِ وَلاَ يُعْتَبَرُ بَيِّنَةً بَل تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهَذَا هُوَ أَيْضًا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ دَعَاوَى التُّهْمَةِ، أَمَّا دَعَاوَى التُّهْمَةِ فَالنُّكُول فِيهَا عِنْدَهُمْ تُعْتَبَرُ كَالإِْقْرَارِ فِي الْمَشْهُورِ (٢) ، وَالْمُرَادُ بِدَعْوَى التُّهْمَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الدَّعْوَى الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحَل اتِّهَامٍ وَشَكٍّ كَالصُّنَّاعِ وَالسُّرَّاقِ.

الْقَوْل الرَّابِعُ: إِنَّ النُّكُول كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ كَالإِْقْرَارِ بِالْحَقِّ أَوْ بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يَتَأَتَّى جَعْل النَّاكِل مُقِرًّا بِالْحَقِّ مَعَ إِنْكَارِهِ لَهُ، وَلَيْسَ النُّكُول كَبَذْل الْحَقِّ، لأَِنَّ الْبَذْل قَدْ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَلاَ تَبَرُّعَ هُنَا (٣) .


(١) الْهِدَايَة وَنَتَائِج الأَْفْكَارِ وَالْعِنَايَة ٦ / ١٦٣، ١٦٤، وَبَدَائِع الصَّنَائِع ٨ / ٣٩٢٨، ٣٩٢٩
(٢) مُغْنِي الْمُحْتَاج ٤ / ٤٧٧، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج ١٠ / ٢٢٠، وَالدُّسُوقِيّ ٤ / ٢٣٢، وَمَوَاهِب الْجَلِيل ٦ / ٢٢٠، وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي ٥ / ٢١٨
(٣) كَشَّاف الْقِنَاع ٦ / ٣٣٩، وَالْفُرُوع ٦ / ٤٧٨