للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَضَافُوا: إِنَّ النَّاذِرَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الاِعْتِكَافَ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنِ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مُؤَدِّيًا مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ فَلاَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ (١) .

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ مَنْ عَيَّنَ زَمَانًا لاِعْتِكَافِهِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَيُجْزِئُ النَّاذِرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي زَمَانٍ غَيْرِهِ قَبْل هَذَا الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ أَوْ بَعْدَهُ، قَال بِهَذَا أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ (٢) .

وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الاِتِّجَاهِ بِأَنَّ وُجُوبَ الاِعْتِكَافِ ثَابِتٌ قَبْل الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ النَّذْرُ، فَكَانَ أَدَاؤُهُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أَدَاءً بَعْدَ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ، وَالدَّلِيل عَلَى تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ قَبْل الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَاجِبَةٌ عَلَى الدَّوَامِ بِشَرْطِ الإِْمْكَانِ وَانْتِفَاءِ الْحَرَجِ؛ لِقَوْل الْحَقِّ سُبْحَانَهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (٣) ؛ وَلأَِنَّ الْعِبَادَةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ لِلْعَبْدِ تَرْكَهَا فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ، فَإِذَا نَذَرَ فَقَدِ اخْتَارَ الْعَزِيمَةَ وَتَرَكَ


(١) بدائع الصنائع ٦ / ٢٨٨٩.
(٢) الفتاوى الهندية ١ / ٢١٤، وفتح القدير ٢ / ١٠٤، ورد المحتار ٢ / ١٣١، والمجموع ٦ / ٤٨٢.
(٣) سورة الحج / ٧٧