للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلاَ يَزَال فِي كَمَدٍ وَغَمٍّ، إِذْ أَعْدَاؤُهُ لاَ يُخَلِّيهِمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نِعَمٍ يُفِيضُهَا عَلَيْهِمْ، فَلاَ يَزَال يَتَعَذَّبُ بِكُل نِعْمَةٍ يَرَاهَا، وَيَتَأَلَّمُ بِكُل بَلِيَّةٍ تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيَبْقَى مَغْمُومًا مَحْرُومًا مُتَشَعِّبَ الْقَلْبِ ضَيِّقَ الصَّدْرِ قَدْ نَزَل بِهِ مَا يَشْتَهِيهِ الأَْعْدَاءُ لَهُ وَيَشْتَهِيهِ لأَِعْدَائِهِ، فَقَدْ كَانَ يُرِيدُ الْمِحْنَةَ لِعَدُوِّهِ فَتَنَجَّزَتْ فِي الْحَال مِحْنَتُهُ وَغَمُّهُ نَقْدًا، وَمَعَ هَذَا فَلاَ تَزُول النِّعْمَةُ عَنِ الْمَحْسُودِ بِحَسَدِهِ.

وَأَمَّا أَنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَوَاضِحٌ، لأَِنَّ النِّعْمَةَ لاَ تُزَال عَنْهُ بِالْحَسَدِ، بَل مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِقْبَالٍ وَنِعْمَةٍ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَدُومَ إِِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَلاَ حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ، بَل كُل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، وَلِكُل أَجَلٍ كِتَابٌ، وَمَهْمَا لَمْ تَزُل النِّعْمَةُ بِالْحَسَدِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَحْسُودِ ضَرَرٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمٌ فِي الآْخِرَةِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَحْسُودَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَوَاضِحٌ (١) .

الْقَدْرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ الْحَسَدِ وَعَكْسُهُ وَمَا فِيهِ خِلاَفٌ:

١٢ - ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْمَرْءَ لاَ يُمْكِنُهُ نَفْيُ الْحَسَدِ عَنْ قَلْبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَل يَبْقَى دَائِمًا فِي نِزَاعٍ مَعَ قَلْبِهِ، لأَِنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَسَدِ


(١) إحياء علوم الدين ٣ / ١٩٣ - ١٩٥ طبعة الحلبي.