للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّنَّةِ، وَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ قَوْل مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَيُقَلِّدُهُ. أَمَّا التَّقْلِيدُ الْمُحَرَّمُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَعْدِل إِلَى التَّقْلِيدِ، فَهُوَ كَمَنْ يَعْدِل إِلَى الْمَيْتَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُذَكَّى.

وَالتَّقْلِيدُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الاِجْتِهَادِ، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَجِدِ الْوَقْتَ لِذَلِكَ، فَهِيَ حَال ضَرُورَةٍ كَمَا قَال ابْنُ الْقَيِّمِ. وَقَدْ أَفْتَى الإِْمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْل الشَّافِعِيِّ، وَقَال: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا أَفْتَيْتُ فِيهَا بِقَوْل الشَّافِعِيِّ، لأَِنَّهُ إِمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ (١) ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَسُبُّوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأَُ طِبَاقَ الأَْرْضِ عِلْمًا (٢) .

شُرُوطُ مَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ:

١٤ - لاَ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ إِلاَّ مَنْ يَعْرِفُهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، أَمَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالْجَهْل فَلاَ يَسْأَلُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لاَ يَسْأَل مَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، لِمَا يَرَاهُ مِنَ انْتِصَابِهِ لِلْفُتْيَا وَأَخْذِ النَّاسِ عَنْهُ بِمَشْهَدٍ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، وَمَا يَلْمَحُهُ فِيهِ مِنْ سِمَاتِ أَهْل الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسَّتْرِ، أَوْ يُخْبِرُهُ


(١) مطالب أولي النهى ٦ / ٤٤٨.
(٢) حديث: " لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ " أخرجه الطيالسي في مسنده (٢ / ١٩٩ ـ منحة المعبود ط. المنيرية) من حديث عبد الله بن مسعود، وضعف إسناده العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٦٨ ط. الرسالة) .