للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ وَلاَ يُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بَل يَجْتَنِبُ كَلاَمَهُ: إِذَا كَانَ - أَيِ اجْتِنَابُ مُكَالَمَتِهِ - غَيْرَ مُؤْذٍ لَهُ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشَّحْنَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا لَهُ، فَلاَ يَبْرَأُ مِنْهَا (١) .

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لاَ يُؤْذِيهِ تَرْكُ مُكَالَمَتِهِ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنَ الْهِجْرَةِ؛ لأَِنَّهُ أَتَى مِنَ الْمُوَاصَلَةِ بِمَا لاَ أَذًى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ، فَلاَ يَبْرَأُ مِنَ الْمُهَاجَرَةِ؛ لأَِنَّ الأَْذَى أَشَدُّ مِنَ الْمُهَاجَرَةِ (٢) .

فَضْل الْبَدْءِ بِالسَّلاَمِ بَعْدَ الْهَجْرِ:

١٣ - تَجْدُرُ الإِْشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ أَحَدُ الْمُتَهَاجِرَيْنِ صَاحِبَهُ بِالسَّلاَمِ فَلَمْ يَرُدَّ الآْخَرُ، فَإِنَّ إِثْمَ الْهَجْرِ يَسْقُطُ عَنْ مُلْقِي السَّلاَمِ، وَيَبُوءُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ رَدِّهِ بِالإِْثْمِ، وَيَصِيرُ بِذَلِكَ فَاسِقًا، وَيَحِل هِجْرَانُهُ (٣) يَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِل لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاَثٌ، فَلْيَلْقَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الأَْجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ


(١) الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِي ٧ / ٢١٥.
(٢) الْمُنْتَقَى ٧ / ٢١٥.
(٣) مِرْقَاة الْمَفَاتِيح ٤ / ٧١٧.