للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَلَوْ صَحَّتْ بِلاَ قَبْضٍ لَثَبَتَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وِلاَيَةُ مُطَالَبَةِ الْوَاهِبِ بِالتَّسْلِيمِ، فَتَصِيرُ عَقْدَ ضَمَانٍ بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِمَا تَقَرَّرَ شَرْعًا فِي الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهَا تَبَرُّعٌ.

الْقَوْل الثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ وَتُمْلَكُ بِعَقْدٍ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفٌ قَبْل الْقَبْضِ، وَتَلْزَمُ الْهِبَةُ بِقَبْضِهَا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَلاَ تَلْزَمُ قَبْلَهُمَا وَلَوْ كَانَتِ الْهِبَةُ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ (١) ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحَلَهَا جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ قَال: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ أَوْ قَبَضْتِيهِ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَال وَارِثٍ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (٢) ".

وَعَنِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ يَقَعُ مُرَاعًى: فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَوْلِهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ لِلْوَاهِبِ، قَال الْبُهُوتِيُّ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ.


(١) كشاف القناع ٤ / ٣٠٠.
(٢) أثر عائشة: " أن أبا بكر - رضي الله عنه - نحلها جذاذ عشرين. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٧٥٢ ط عيسى الحلبي) .