للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {عَنْ يَدٍ} ، فَقَال النَّيْسَابُورِيُّ:

{عَنْ يَدٍ} إِنْ أُرِيدَ بِهَا يَدُ الْمُعْطِي فَالْمُرَادُ: عَنْ يَدٍ مُؤَاتِيَةٍ غَيْرِ مُمْتَنِعَةٍ، يُقَال أَعْطَى بِيَدِهِ إِذَا انْقَادَ وَأَصْحَبَ، أَوِ الْمُرَادُ حَتَّى يُعْطُوهَا عَنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ نَقْدًا غَيْرَ نَسِيئَةٍ وَلاَ مَبْعُوثًا عَلَى يَدِ أَحَدٍ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا يَدُ الآْخِذِ فَمَعْنَاهُ حَتَّى يُعْطُوهَا عَنْ يَدٍ قَاهِرَةٍ مُسْتَوْلِيَةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا، أَوِ الْمُرَادُ عَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَبُول الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بَدَلاً عَنْ أَرْوَاحِهِمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْهِمْ (١) .

وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الصَّغَارَ بِإِجْرَاءِ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ قَال: سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْل الْعِلْمِ يَقُولُونَ: الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الإِْسْلاَمِ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا بِمَا قَالُوا، لاِمْتِنَاعِهِمْ مِنَ الإِْسْلاَمِ. فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فَقَدْ أَصَغَرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَكُونُ دَفْعُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْخُضُوعُ لِسُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ مُوجِبًا لِلصَّغَارِ (٢) .

٢ - الْجِزْيَةُ وَسِيلَةٌ لِهِدَايَةِ أَهْل الذِّمَّةِ:

١٣ - قَال الْقَرَافِيُّ: " إِنَّ قَاعِدَةَ الْجِزْيَةِ مِنْ بَابِ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا وَتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ، وَذَلِكَ هُوَ شَأْنُ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ،


(١) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٠ / ٦٦.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٤٧، وزاد المسير ٣ / ٤٢٠، وأحكام القرآن للشافعي ٢ / ٦١.