للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُطِيعًا بَرِيءَ الذِّمَّةِ، فَهَذَا أَمْرٌ لاَزِمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الثَّوَابُ عَلَيْهِ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْل وَلاَ يُثِيبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَبُول.

وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنِ ابْنَيْ آدَمَ {إنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (١) لَمَّا قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّل مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنَ الآْخَرِ، مَعَ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ عَلَى وَفْقِ الأَْمْرِ، وَيَدُل عَلَيْهِ أَنَّ أَخَاهُ عَلَّل عَدَمَ الْقَبُول بِعَدَمِ التَّقْوَى، وَلَوْ أَنَّ الْفِعْل مُخْتَلٌّ فِي نَفْسِهِ لَقَال لَهُ إنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّهُ الْعَمَل الصَّحِيحَ الصَّالِحَ، لأَِنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِعَدَمِ الْقَبُول، فَحَيْثُ عَدَل عَنْهُ دَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفِعْل كَانَ صَحِيحًا مُجْزِئًا، وَإِنَّمَا انْتَفَى الْقَبُول لأَِجْل انْتِفَاءِ التَّقْوَى، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَل الْمُجْزِئَ قَدْ لاَ يُقْبَل وَإِنْ بَرِئَتِ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ.

وَثَانِيهَا: قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيل رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٢) فَسُؤَالُهُمَا الْقَبُول فِي فِعْلِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا


(١) سورة المائدة / ٢٧.
(٢) سورة البقرة / ١٢٧.