للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَكَانِ الْخَالِي وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا، فَتُصَدَّقُ بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا. وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، فَلَعَل بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ (١) وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الأَْصْل فِي هَذَا الْبَابِ وَلاَ إِعْذَارَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمَا أَيْضًا مَلاَذُ الْحُكَّامِ فِي الأَْحْكَامِ، وَلاَ إِعْذَارَ مِنْهُمَا وَلاَ إِقَالَةَ مِنْ حُجَّةٍ وَلاَ كَلِمَةٍ، غَيْرَ أَنَّ الإِْعْذَارَ فِيمَا يَتَحَاكَمُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الدِّيَانَاتِ اسْتِحْسَانٌ مِنَ الأَْئِمَّةِ، فَأَمَّا فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الإِْلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ. قَالُوا: وَمَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الإِْعْذَارُ كَثِيرٌ (٢) وَلَمْ يُعْثَرْ عَلَى أَقْوَالٍ فِي الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى فِي مِثْل هَذَا.

التَّأْجِيل فِي الإِْعْذَارِ:

١٨ - الإِْعْذَارُ يَكُونُ إِلَى الْمُدَّعِي، فَيَقُول لَهُ الْقَاضِي: أَبَقِيَتْ لَكَ حَجَّةٌ؟ وَقَدْ يَكُونُ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي: أَلَكَ دَفْعٌ فِيمَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْكَ؟ فَإِذَا أَعْذَرَ الْقَاضِي إِلَى مَنْ تَوَجَّهَ الإِْعْذَارُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُدَّعِيًا أَمْ مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَال: نَعَمْ، وَسَأَلَهُ التَّأْجِيل، ضَرَبَ لَهُ أَجَلاً بِحَسَبِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ حَسَبَ اجْتِهَادِهِ فِي بُلُوغِ مَنْ أُجِّل لَهُ


(١) حديث: " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري ٥ / ٢٨٨ - ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٣٣٧ ط الحلبي) .
(٢) تبصرة الحكام ١ / ١٥٠ - ١٥٢.