للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا يُصَحِّحُ فُتْيَاهُ مِنْ جِهَتَيْنِ:

الأُْولَى: صِحَّةُ أَخْذِهِ لِلْحُكْمِ مِنْ أَدِلَّتِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: صِحَّةُ تَطْبِيقِهِ لِلْحُكْمِ عَلَى الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا، فَلاَ يَغْفُل عَنْ أَيٍّ مِنَ الأَْوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْحُكْمِ، وَلاَ يَعْتَقِدُ تَأْثِيرَ مَا لاَ أَثَرَ لَهُ.

١٩ - ز - الْفَطَانَةُ وَالتَّيَقُّظُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا (١) ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: شَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَ الْمُفْتِي، قَال: وَهَذَا شَرْطٌ فِي زَمَانِنَا، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مُتَيَقِّظًا يَعْلَمُ حِيَل النَّاسِ وَدَسَائِسَهُمْ، فَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ مَهَارَةً فِي الْحِيَل وَالتَّزْوِيرِ وَقَلْبِ الْكَلاَمِ وَتَصْوِيرِ الْبَاطِل فِي صُورَةِ الْحَقِّ، فَغَفْلَةُ الْمُفْتِي يَلْزَمُ مِنْهَا ضَرَرٌ كَبِيرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ (٢) ، وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِمَكْرِ النَّاسِ وَخِدَاعِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ زَاغَ وَأَزَاغَ، فَالْغِرُّ يَرُوجُ عَلَيْهِ زَغَل الْمَسَائِل كَمَا يَرُوجُ عَلَى الْجَاهِل بِالنَّقْدِ زَغَل الدَّرَاهِمِ، وَذُو الْبَصِيرَةِ يُخْرِجُ زَيْفَهَا كَمَا يُخْرِجُ النَّاقِدُ زَغَل النُّقُودِ، وَكَمْ مِنْ بَاطِلٍ يُخْرِجُهُ الرَّجُل بِحُسْنِ لَفْظِهِ وَتَنْمِيقِهِ فِي صُورَةِ حَقٍّ، بَل هَذَا أَغْلَبُ أَحْوَال النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُفْتِي فَقِيهًا فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَال النَّاسِ تَصَوَّرَ لَهُ


(١) المجموع ١ / ٤١.
(٢) حاشية ابن عابدين ٤ / ٣٠١.