للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ تَوَاطَأَتْ كَلِمَتُهُمْ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى تَقْسِيمِهَا - بِالاِعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ - إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ:

الْقِسْمُ الأَْوَّل: رُخَصٌ حَقِيقِيَّةٌ:

١٣ - وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ عَزَائِمَ مَا يَزَال الْعَمَل بِهَا جَارِيًا لِقِيَامِ دَلِيلِهَا، وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْقَسِمُ - بِدَوْرِهِ - إِلَى قِسْمَيْنِ:

١ - مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ، وَالْحُرْمَةِ مَعًا، وَهُوَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الرُّخَصِ؛ لأَِنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا كَانَتْ قَائِمَةً مَعَ سَبَبِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ لِلْمُكَلَّفِ الإِْقْدَامَ عَلَى الْفِعْل دُونَ مُؤَاخَذَةٍ بِنَاءً عَلَى عُذْرِهِ، كَانَ ذَلِكَ الإِْقْدَامُ فِي أَكْمَل دَرَجَاتِهِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ. وَلَيْسَ فِي الأَْمْرِ أَيُّ غَرَابَةٍ؛ لأَِنَّ كَمَال الرُّخَصِ بِكَمَال الْعَزَائِمِ، فَكُلَّمَا كَانَتْ هَذِهِ حَقِيقِيَّةً كَامِلَةً ثَابِتَةً مِنْ كُل وَجْهٍ، كَانَتِ الرُّخْصَةُ فِي مُقَابَلَتِهَا كَذَلِكَ. (١) وَقَدْ ذَكَرُوا - لِهَذَا الْقِسْمِ - أَمْثِلَةً مِنْهَا:

التَّرْخِيصُ فِي إِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ مَعَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالإِْيمَانِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ الْمُلْجِئِ بِالْقَتْل أَوْ بِالْقَطْعِ؛ لأَِنَّ فِي امْتِنَاعِهِ عَنِ الْفِعْل إِتْلاَفَ ذَاتِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَفِي إِقْدَامِهِ عَلَيْهِ


(١) المغني في أصول الفقه ص ٨٧، كشف الأسرار ١ / ٦٣٦، والتوضيح على التنقيح ٣ / ٨٣ - ٨٥، فواتح الرحموت ١ / ١١٦، ١١٧، مرآة الأصول ٢ / ٣٩٤.