للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ب - الاِنْفِسَاخُ بِالْمَوْتِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ:

١٧ - الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ (الْجَائِزَةُ) هِيَ مَا يَسْتَبِدُّ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِفَسْخِهَا كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا.

وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا؛ لأَِنَّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ يَجُوزُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَسْخُهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَا تُوُفِّيَ فَقَدْ ذَهَبَتْ إِرَادَتُهُ، وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذِهِ الْعُقُودِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَمِرُّ بِاسْتِمْرَارِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.

فَعَقْدُ الإِْعَارَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَتَجَدَّدُ الْعَقْدُ حَسَبَ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ (١) وَلأَِنَّ الْعَارِيَّةَ إِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى الإِْذْنِ، وَقَدْ بَطَل بِالْمَوْتِ، فَانْفَسَخَتِ الإِْعَارَةُ، كَمَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (٢)

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْعَارِيَّةُ عِنْدَهُمْ عَقْدٌ لاَزِمٌ، إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَلاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، وَتَدُومُ إِلَى أَنْ تَتِمَّ الْمُدَّةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً فَفِي انْفِسَاخِهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُهُمَا عَدَمُ الاِنْفِسَاخِ إِلَى الْعَمَل أَوِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ. (٣)

وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْوَكَالَةِ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْوَكِيل أَوِ الْمُوَكِّل عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَنْفَسِخُ


(١) الزيلعي ٥ / ٨٤، وابن عابدين ٤ / ٥٠٧.
(٢) نهاية المحتاج ٥ / ١٣٠، والمغني ٥ / ٢٢٥.
(٣) المدونة ١٥ / ١٦٧، وجواهر الإكليل ٢ / ١٤٦.