للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا يُقَال: الْفُرْصَةُ خِلْسَةٌ. وَخَلَسْتُ الشَّيْءَ خَلْسًا إِذَا اخْتَطَفْتَهُ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ. وَاخْتَلَسْتُهُ كَذَلِكَ. فَالْمُخْتَلِسُ يَأْخُذُ الْمَال عِيَانًا وَيَعْتَمِدُ الْهَرَبَ، بِخِلاَفِ السَّارِقِ الَّذِي يَأْخُذُهُ خُفْيَةً (١) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

أَوَّلاً: الْخُفْيَةُ فِي الدُّعَاءِ:

٣ - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ خُفْيَةً أَفْضَل مِنْهُ جَهْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوَا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (٢) . قَال الْقُرْطُبِيُّ: تَضَرُّعًا: أَنْ تُظْهِرُوا التَّذَلُّل، وَخُفْيَةً: أَنْ تُبْطِنُوا مِثْل ذَلِكَ (٣) ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل عِبَادَهُ بِالدُّعَاءِ، وَقَرَنَ بِالأَْمْرِ صِفَاتٍ يَحْسُنُ مَعَهَا الدُّعَاءُ، مِنْهَا الْخُفْيَةُ وَمَعْنَى خُفْيَةً: سِرًّا فِي النَّفْسِ لِيَبْعُدَ عَنِ الرِّيَاءِ. وَبِذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ قَال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (٤) وَنَحْوُهُ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ، وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي (٥) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ السِّرَّ فِيمَا لَمْ يُفْرَضْ


(١) لسان العرب مادة: " خلس " وحاشية الجمل ٥ / ١٣٩، والمطلع على أبواب المقنع ص٣٧٥.
(٢) سورة الأعراف / ٥٥.
(٣) تفسير القرطبي ٧ / ٩.
(٤) سورة مريم / ٣.
(٥) حديث: " خير الذكر الخفي، وخير الرزق. . " أخرجه أحمد (١ / ١٧٢ - ط الميمنية) من حديث سعد بن أبي وقاص، وأورده الهيثمي في المجمع (١٠ / ٨١ - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة. وقد وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين، وبقية رجالهما رجال الصحيح ".