للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ مَا بَعْدَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ رُؤْيَةُ هِلاَل رَمَضَانَ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا مُعْتَدًّا بِهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ الأَْوَّل مِنْ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ (١) .، وَسُمِّيَ بِيَوْمِ الشَّكِّ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الأَْوَّل مِنْ رَمَضَانَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَابِطِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالرُّؤْيَةِ وَلاَ تَثْبُتُ. (٢) وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَوْمُ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيَّمَةً فِي لَيْلَتِهَا وَلَمْ تَثْبُتِ الرُّؤْيَةُ، قَال أَبُو الْحَسَنِ: أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيَّمَةً لَيْلَةَ ثَلاَثِينَ وَلَمْ تَثْبُتِ الرُّؤْيَةُ، فَصَبِيحَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ. (٣) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ وَكَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، قَال الْمَحَلِّيُّ: وَهُوَ يَوْمُ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ، أَيْ بِأَنَّ الْهِلاَل رُئِيَ لَيْلَتَهُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ، أَوْ عَدْلٌ وَلَمْ نَكْتَفِ بِهِ. (٤)

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ وَلَمْ يَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَل.

قَال الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الأَْصْحَابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.

قَال الْقَاضِي: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ. (٥)

حُكْمُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ:

٣ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِغَيْرِ النَّفْلِ، فَإِذَا صَامَهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ غَيْرِ رَمَضَانَ كُرِهَ وَوَقَعَ عَمَّا صَامَهُ إِذَا لَمْ تَثْبُتْ رَمَضَانِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ ثَبَتَتْ صَحَّ عَنْ رَمَضَانَ فِي الْقَوْل الأَْصَحِّ، إِنْ كَانَ الصَّائِمُ مُقِيمًا، فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا صَحَّ عَنِ الْوَاجِبِ الَّذِي صَامَهُ مُطْلَقًا.

أَمَّا صَوْمُهُ نَفْلاً، فَإِنْ كَانَ الصَّائِمُ مِنَ الْخَوَاصِّ - وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَطِيعُونَ الْجَزْمَ بِصَوْمِهِ نَفْلاً - جَازَ بَل نُدِبَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْخَوَاصِّ الَّذِينَ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَزْمِ


(١) حديث: " صوموا لرؤيته " أخرجه البخاري (فتح الباري ٤ / ١١٩ ط السلفية) ، ومسلم (٢ / ٧٦٢ ط الحلبي) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) الدر المختار على هامش ابن عابدين ٢ / ٨٧ ـ ٨٨، والاختيار ١ / ١٣٠.
(٣) شرح أبي الحسن على رسالة ابن زيد ١ / ٣٩٠.
(٤) المحلي على هامش القليوبي وعميرة ٢ / ٦٠ ـ ٦١.
(٥) الإنصاف ٣ / ٣٤٩، وشرح منتهى الإرادات ١ / ٤٣٨، والمغني ٣ / ٨٩ ـ ٩٠.